جوابا، كان بمنزلة الحين، وينتصب الموضع بالمصدر الذي هو (شهادة بينكم) كما تقدم، وإن قدرت له جوابا، كان قوله (شهادة بينكم) يدل عليه، ويكون موضع إذا في قوله (إذا حضر أحدكم الموت) نصبا بالجواب المقدر المستغنى عنه بقوله (شهادة بينكم) لان المعنى ينبغي أن تشهدوا وقوله: (تحبسونهما من بعد الصلاة) صفة ثانية لقوله (أو آخران) وقوله: (من بعد الصلاة) يتعلق بتحبسونهما (فيقسمان بالله) الفاء لعطف الجملة على الجملة، وإن شئت جعلت الفاء للجزاء، كما في قول ذي الرمة:
وإنسان عيني يحبس الماء مرة * فيبدو وتارات يجم فيغرق (1) تقديره عندهم: إذا حبس بدا، فكذلك إذا حبستموهما أقسما وقوله: (لا نشتري به ثمنا) جواب ما يقتضيه قوله: (فيقسمان بالله) لان أقسم ونحوه يتلقى بما يتلقى به الأيمان. والتقدير لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا أي: ذا ثمن، فحذف المضاف في الموضعين، وإنما ذكر الشهادة لان الشهادة قول كما قال: (وإذا حضر القسمة)، ثم قال: (فارزقوهم منه) لما كان القسمة يراد به المقسوم ألا ترى أن القسمة التي هي إفراز الأنصباء لا يرزق منه، وإنما يرزق من التركة المقسومة، ولو كان ذا قربى. التقدير: ولو كان المشهود له ذا قربى، وأضاف الشهادة إلى الله لأمره بإقامتها، ونهيه عن كتمانها في قوله: (وأقيموا الشهادة لله) وقوله: (من يكتمها فإنه آثم قلبه)، هذا كله مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي، وناهيك به فارسا في هذا الميدان نقابا، يخبر عن مكنون هذا العلم، بواضح البيان.
النزول: سبب نزول هذه الآية أن ثلاثة نفر خرجوا من المدينة تجارا إلى الشام: تميم بن أوس الداري، وأخوه عدي، وهما نصرانيان، وابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص السهمي، وكان مسلما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيته بيده، ودسها في متاعه، وأوصى إليهما، ودفع المال إليهما، وقال: أبلغا هذا أهلي. فلما مات، فتحا المتاع، وأخذا ما أعجبهما منه، ثم رجعا بالمال إلى الورثة. فلما فتش القوم المال، فقدوا بعض ما كان قد خرج به صاحبهم، فنظروا إلى الوصية، فوجدوا المال فيها تاما، فكلموا تميما وصاحبه،