(وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قيل فيه أقوال أحدها: إن الميثاق الغليظ هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد، من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، عن الحسن، وابن سيرين، والضحاك، وقتادة والسدي، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وثانيها: إن المراد به كلمة النكاح التي يستحل بها الفرج، عن مجاهد، وابن زيد. وثالثها: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، عن عكرمة، والشعبي، والربيع. وقد قيل في هاتين الآيتين ثلاثة أقوال أحدها: إنهما محكمتان غير منسوختين، لكن للزوج أن يأخذ الفدية من المختلعة، لان النشوز حصل من جهتها، فالزوج يكون في حكم المكره لا المختار، للاستبدال، ولا يتنافى حكم الآيتين، وحكم آية الخلع، فلا يحتاج إلى نسخهما بها، وهو قول الأكثرين، وثانيها: إنهما محكمتان، وليس للزوج أن يأخذ من المختلعة شيئا، ولا من غيرها، لأجل ظاهر الآية، عن بكير بن بكر بن عبد الله المزني. والثالث: إن حكمهما منسوخ بقوله (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)، عن الحسن.
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا [22] اللغة: النكاح: اسم يقع على العقد، ومنه (وانكحوا الأيامى منكم)، ويقع على الوطء، ومنه (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة): أي لا يطأ بالحرام إلا من يطاوعه، ومنه: " ملعون من نكح يده، وملعون من نكح بهيمة " قال الشاعر:
كبكر تشهى لذيذ النكاح * وتفزع من صولة الناكح وأصله الجمع، ومنه " أنكحنا الفرا فسنرى " (1). والمقت: بغض من أمر قبيح يرتكبه صاحبه، يقال: مقت الرجل إلى الناس، مقاتة، ومقته الناس، يمقته مقتا، فهو مقيت، وممقوت. ويقال إن ولد الرجل من امرأة أبيه كان يسمى المقتي، ومنهم أشعث بن قيس، وأبو معيط جد الوليد بن عقبة.
الإعراب: (إلا ما قد سلف): استثناء منقطع، لأنه لا يجوز استثناء الماضي