نعكس عليكم ذلك، فنقول: بل قد خصصوا ظاهر تلك الآيات لعموم ظاهر هذه الآية، وهذا أولى لما روي عن بعض السلف أنه قال: " إن هذه الآية استثناء على جميع القرآن " يريد به والله أعلم جميع آيات الوعيد، وأيضا فإن الصغائر تقع عندكم محبطة، ولا تجوز المؤاخذة بها. وما هذا حكمه، فكيف يعلق بالمشيئة، فإن أحدا لا يقول إني أفعل الواجب إن شئت، وأرد الوديعة إن شئت، وقوله (ومن يشرك بالله فقد افترى): أي فقد كذب بقوله إن العبادة يستحقها غير الله، وأثم (إثما عظيما): أي غير مغفور، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية "!.
(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا [49] أنظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا [50] اللغة: التزكية: التطهير والتنزيه. وقد يكون الوصف بالتطهير تزكية، وأصله من الزكاء: وهو النمو. يقال: زكا الزرع، يزكو، زكاء، وزكا الشئ: إذا نما في إصلاح. وأصل الفتيل: ما يفتل وهو لي الشئ. والفتيلة: معروفة. وناقة فتلاء:
إذا كان في ذراعها فتل عن الجنب. والفتيل: بمعنى المفتول، وهو عبارة عن الشئ الحقير، قال النابغة:
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو * ثم لا يرزأ العدو فتيلا (1) والنظر: هو الاقبال على الشئ بالبصر، ومنه النظر بالقلب، لأنه إقبال على الشئ بالقلب، وكذلك النظر بالرحمة. والنظر إلى الشئ: التأمل له، والانتظار:
الاقبال على الشئ بالتوقع. والمناظرة: إقبال كل واحد على الآخر بالمحاجة.
والنظير: مثل الشئ لاقباله على نظيره بالمماثلة. والفرق بين النظر والرؤية أن الرؤية، هي إدراك المرئي، والنظر: الإقبال بالبصر نحو المرئي، ولذلك قد ينظر ولا يراه، ولذلك يجوز أن يقال لله تعالى إنه راء، ولا يجوز أن يقاد إنه ناظر.
الإعراب: (فتيلا): منصوب على أنه مفعول ثان، كقولك ظلمته حقه. قال علي بن عيسى: ويحتمل أن يكون نصبا على التمييز، كقولك تصببت عرقا.