توبتكم أن وقع منكم ذلك. وقيل: يريد أن يوفقكم لها، ويقوي دواعيكم إليها، (ويريد الذين يتبعون الشهوات) فيه أقوال: أحدها: إن المعني بذلك جميع المبطلين، فإن كل مبطل متبع شهوة نفسه في باطله، عن ابن زيد. وثانيها: إن المراد بذلك الزناة، عن مجاهد. وثالثها: انهم اليهود والنصارى، عن السدي.
ورابعها: إنهم اليهود خاصة، إذ قالوا: إن الأخت من الأب حلال في التوراة، والقول الأول أقرب.
(أن تميلوا ميلا عظيما): أي تعدلوا عن الاستقامة عدولا بينا بالاستكثار من المعصية، وذلك أن الاستقامة هي المؤدية إلى الثواب والفوز من العقاب، والميل عنها يؤدي إلى الهلاك واستحقاق العذاب، وإذا قيل لم كرر قوله تعالى (يتوب عليكم)؟ فجوابه أنه للتأكيد، وأيضا فإن في الأول بيان أنه يريد الهداية والإنابة، وفي الثاني بيان أن إرادته خلاف إرادة أصحاب الأهواء، وأيضا إنه أتي في الثاني ب (أن) ليزول الابهام أنه يريد ليتوب، ولا يريد أن يتوب، وإنما قال تعالى (ميلا عظيما) لان العاصي يأنس بالعاصي، كما يأنس المطيع بالمطيع، ويسكن الشكل إلى الشكل، ويألف به، ولان العاصي يريد مشاركة الناس إياه في المعصية، ليسلم عن ذمهم وتوبيخهم، ونظيره قوله تعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون)، (ودوا لو تكفرون كما كفروا) وفي المثل: " من أحرق كدسه (1) تمنى إحراق كدس غيره " وعلى هذا جبلت القلوب.
(يريد الله أن يخفف عنكم): يعني في التكليف في أمر النساء والنكاح، بإباحة نكاح الإماء، عن مجاهد، وطاووس ويجوز أن يريد التخفيف بقبول التوبة، والتوفيق لها. ويجوز أن يريد التخفيف في التكليف على العموم، وذلك أنه تعالى خفف عن هذه الأمة ما لم يخفف عن غيرها من الأمم الماضية. (وخلق الانسان ضعيفا) في أمر النساء، وقلة الصبر عنهن. وقيل: خلق الانسان ضعيفا، يستميله هواه وشهوته، ويستشيطه خوفه وحزنه.
(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما