مستورا ثم قال (عفا الله عنها) أي: عفا الله عن تبعة سؤالكم، ويكون تقديره عفا الله عن مسألتكم التي سلفت منكم، مما كرهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (والله غفور حليم) فلا تعودوا إلى مثلها، وهذا قول ابن عباس في رواية عطا. وأما على ما ذكرنا من أن قوله (عفا الله) على التقديم، فيكون تقدير الآية: لا تسألوا عن أشياء ترك الله ذكرها وبيانها، لأنكم لا تحتاجون إليها في التكليف إن تظهر لكم تحزنكم وتغمكم وقال بعضهم: إنها نزلت فيما سألت الأمم أنبياءها من الآيات، ويؤيده الآية التي بعدها.
النظم: قيل في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه أحدها: إنها تتصل بقوله (تفلحون) لأن من الفلاح: ترك السؤال عما لا يحتاج إليه وثانيها: إنها تتصل بقوله (ما على الرسول إلا البلاغ) فإنه يبلغ ما فيه المصلحة، فلا تسألوه عما لا يعنيكم وثالثها: إنها تتصل بقوله (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) أي: لا تسألوه فيظهر سرائركم.
(قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كفرين [102] ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون [103] اللغة: البحر: الشق، وبحرت أذن الناقة أبحرها بحرا: إذا شققتها شقا واسعا. والناقة بحيرة، وهي فعيلة بمعنى المفعول، مثل النطيحة والذبيحة، وأصل الباب السعة. وسمي البحر بحرا لسعته. وفرس بحر: واسع الجري. وفي الحديث أنه عليه السلام قال لفرس له: (وجدته بحرا). والسائبة: فاعلة من ساب الماء إذا جرى على وجه الأرض، ويقال سيبت الدابة: أي تركتها تسيب حيث شاءت. ويقال للعبد يعتق ولا ولاء عليه لمعتقه: سائبة، لأنه يضع ماله حيث شاء، وأصله المخلاة:
وهي المسيبة، وأخذت من قولهم: سابت الحية وانسابت: إذا مضت مستمرة.
والوصل نقيض الفصل. ولعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الواصلة: وهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر. فالوصيلة بمعنى الموصولة، كأنها وصلت بغيرها، ويجوز أن يكون بمعنى الواصلة، لأنها وصلت أخاها، وهذا أظهر في الآية، وأنشد أهل اللغة في البحيرة.
محرمة لا يأكل الناس لحمها * ولا نحن في شئ كذاك البحائر