الوحشة.
ثم ذكر الوصية بالتقوى فإن بها ينال خير الدنيا والآخرة، فقال: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) من اليهود، والنصارى، وغيرهم (وإياكم) أي:
وأوصيناكم أيها المسلمون في كتابكم (أن اتقوا الله) وتقديره بأن اتقوا الله أي: اتقوا عقابه باتقاء معاصيه، ولا تخالفوا أمره ونهيه (وإن تكفروا) أي: تجحدوا وصيته إياكم، وتخالفوها (فإن لله ما في السماوات وما في الأرض) لا يضره كفرانكم وعصيانكم.
وهذه إشارة إلى أن أمره جميع الأمم بطاعته ونهيه إياهم عن معصيته، ليس استكثارا بهم عن قلة، ولا استنصارا بهم عن ذلة، ولا استغناء بهم عن حاجة، فإن له ما في السماوات وما في الأرض ملكا، وملكا، وخلقا، لا يلحقه العجز، ولا يعتريه الضعف، ولا تجوز عليه الحاجة، وإنما أمرنا ونهانا نعمة منه علينا ورحمة بنا (وكان الله غنيا) أي لم يزل سبحانه غير محتاج إلى خلقه، بل الخلائق كلهم محتاجون إليه (حميدا) أي: مستوجبا للحمد عليكم بصنائعه الحميدة إليكم، وآلائه الجميلة لديكم، فاستديموا ذلك باتقاء معاصيه، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به. ثم قال (ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) أي: حافظا لجميعه، لا يعزب عنه علم شئ منه، ولا يؤوده حفظه. وتدبيره، ولا يحتاج مع سعة ملكه إلى غيره.
وأما وجه التكرار لقوله (ولله ما في السماوات وما في الأرض) في الآيتين ثلاث مرات، فقد قيل: إنه للتأكيد والتذكير. وقيل: إنه للإبانة عن علل ثلاث أحدها:
بيان إيجاب طاعته فيما قضى به لأن له ملك السماوات والأرض. والثاني: بيان غناه في الأرض. والثالث: بيان حفظه إياهم، وتدبيره لهم، لأن له ملك السماوات والأرض.
(إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا [133] من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا [134]