أشد أهل الحجاز بأسا، وأمنعهم دارا، حتى إن قريشا كانت تعتضد بهم، والأوس والخزرج تستبق إلى محالفتهم، وتتكثر بنصرتهم، فأباد الله خضراءهم، واستأصل شأفتهم (1)، واجتث أصلهم، فأجلى النبي بني النضير وبني قينقاع، وقتل بني قريظة، وشرد أهل خيبر، وغلب على فدك، ودان له أهل وادي القرى، فمحا الله تعالى آثارهم صاغرين. وقال قتالة: معناه إن الله أذلهم ذلا لا يعزون بعده أبدا، وإنما يطفئ نار حربهم بلطفه، وبما يطلع نبيه عليه من أسرارهم، وبما يمن به عليه من التأييد والنصر (ويسعون في الأرض فسادا) بمعصية الله، وتكذيب رسله، ومخالفة أمره ونهيه، واجتهادهم في محو ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتبهم (والله لا يحب المفسدين) العاملين بالفساد، والمعاصي، في أرضه.
(ولو أن أهل الكتب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنت النعيم [65] ولو أنهم أقاموا التورية والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون [66] اللغة: أصل التكفير: التغطية، ومنه تكفر في السلاح. والاقتصاد: الاستواء في العمل، الذي يودي إلى الغرض، واشتقاقه من القصد، لان القاصد إلى ما يعرف مكانه، فهو يمر على الاستقامة إليه، خلاف الطالب المتحير في طلبه.
الاعراب: (ساء ما يعملون) يحتمل أن يكون (ما) مع ما بعدها، بمنزلة المصدر، ويحتمل أن يكون بمعنى الذي وما بعدها، صلة لها، والعائد محذوف.
المعنى: (ولو أن أهل الكتاب) يعني: اليهود والنصارى (آمنوا) بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (واتقوا) الكفر والفواحش (لكفرنا عنهم سيئاتهم) أي: سترناها عليهم، وغفرناها لهم، (ولأدخلناهم جنات النعيم) ظاهر المعنى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) أي: عملوا بما فيهما على ما فيهما، دون أن يحرفوا شيئا منهما، أو يغيروا، أو يبدلوا، كما كانوا يفعلونه. ويحتمل أن يكون معناه: عملوا بما