أي: بعقوبة اثم قتلي وعقوبة معاصيك المتقدمة عن الجبائي. (فآخران يقومان مقامهما) أي: مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا، وقيل: مقام الوصيين (من الذين استحق عليهم الأوليان) المعنى: ليقم الأوليان بالميت من الذين استحقت عليهم الوصية. أو يكون التقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما. وقد بينا ما قيل فيه، وفي القراءتين الأخريين، فيما قبل. ويجوز أن يكون الأوليان بدلا من قوله (آخران) فقد يجوز إبدال المعرفة من النكرة، ومعنى الأوليين الأقربان إلى الميت. ويجوز أن يكون معناه (الأوليان) باليمين، وإنما كان أوليين باليمين، لان الوصيين ادعيا أن الميت باع الاناء فانتقل اليمين إلى الأوليين، لأنهما صارا مدعى عليهما، أن مورثهما باع الاناء. وهذا كما لو أقر انسان لآخر بدين. وادعى قضاءه، حكم برد اليمين إلى الذي ادعى الذين، لأنه صار مدعى عليه أنه استوفى. وقيل: معناه الأوليان بالشهادة من المسلمين، عن ابن عباس، وشريح.
(فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) قيل: إنه على الظاهر أي:
شهادتنا، وقولنا في وصية صاحبنا أحق بالقبول والصدق من شهادتهما، وقولهما.
وقيل: يريد به فيقولان والله. ليميننا خير من يمينهما، عن ابن عباس، وسميت اليمين ها هنا شهادة، لان اليمين كالشهادة على ما يحلف عليه أنه كذلك. (وما اعتدينا) أي: وما جاوزنا الحق فيما طلبناه من حقنا، عن ابن عباس. وقيل: فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما. (إنا إذا لمن الظالمين) تقديره: إنا إن اعتدينا لمن جملة الظالمين لنفوسنا.
وهذه الآية مع الآية التي قبلها من أعوص آيات القرآن إعرابا ومعنى وحكما، ولست تجدهما في شئ من مظانهما أوفر فائدة، وأغزر عائدة، وأجمع علما، وأوجز لفظا ومعنى، مما لخصته لك، وسقته إليك وبالله التوفيق.
ثم بين سبحانه وجه الحكمة في استحلاف اليهود فقال: (ذلك أدنى) أي ذلك الإحلاف والإقسام، أو ذلك الحكم أقرب إلى (أن يأتوا بالشهادة على وجهها) أي:
حقها وصدقها، لا يكتمون شيئا، ولا يزيدون شيئا، لان اليمين تردع عن أمور كثيرة لا يرتدع عنها مع عدم اليمين. (أو يخافوا) أي: أقرب إلى أن يخافوا (أن ترد أيمان) إلى أولياء الميت (بعد أيمانهم) فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفتضحوا