الكفار كان إطلاقه على المشركين أغلب، وأهل الكتاب على من إذا عاهد دخل في ذمة المسلمين، وقبلت منه الجزية، وأقر على دينه، أغلب، فلذلك فصل بينهما.
وأما القراءة بالنصب، فمعناه: لا تتخذوا المستهزئين من أهل الكتاب، ولا تتخذوا الكفار أولياء (واتقوا الله) في موالاتهم بعد النهي عنها (إن كنتم مؤمنين) بوعده ووعيده أي: ليس من صفات المؤمنين موالاة من يطعن في الدين، فمن كان مؤمنا غضب لايمانه على من طعن فيه، وكافأه بما يستحقه من المقت والعداوة.
(وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [58] اللغة: النداء: الدعاء بمد الصوت على طريقة يا فلان! وأصله ندى الصوت:
وهو بعد مذهبه وصحة جرمه (1). ومنه قوله: " أناديك ولا أناجيك " أي: أعالنك الندا، ولا أسر لك النجوى، قال أبو ذهيل:
وأبرزتها من بطن مكة بعد ما * أصات المنادي بالصلاة فأعتما وأصل الباب الندو: وهو الاجتماع. يقال ندا القوم، يندون، ندوا أي:
اجتمعوا في النادي. ومنه دار الندوة. وندى الماء: لأنه يجتمع قليلا قليلا. وندى الصوت منه، لأنه عن جرم الندى.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن صفة الكفار الذين نهى الله المؤمنين عن موالاتهم، فقال: (وإذا ناديتم) أيها المؤمنون (إلى الصلاة) أي: دعوتم إليها (اتخذوها) أي: اتخذوا الصلاة (هزوا ولعبا) وقيل في معناه قولان أحدهما: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة، تضاحكوا فيما بينهم، وتغامزوا على طريق السخف والمجون (2)، تجهيلا لأهلها، وتنفيرا للناس عنها، وعن الداعي إليها. والآخر:
إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها، جهلا منهم بمنزلتها (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) وقيل فيه قولان أحدهما: إنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم لو أجابوا إليها من الثواب، وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب والثاني:
إنهم بمنزلة من لا عقل له، يمنعه من القبائح، ويردعه عن الفواحش. قال السدي:
كان رجل من النصارى بالمدينة، فسمع المؤذن ينادي: " أشهد أن لا إله إلا الله،