خافه مع أمور كثيرة، وعجائب شهيرة ذكرنا بعضها في أول سورة آل عمران عند قوله (فيه آيات بينات)، فيكون ما دبره الله من ذلك دالا على أنه عالم بمصالح الخلق، وبكل شئ. وثانيها: إنه تعالى علم أن العرب يكونون أصحاب عداوات وطوائل، وأنهم يكونون حوالي الكعبة، فلما خلق السماوات والأرض، جعل الكعبة موضع أمن، وعظم حرمتها في القلوب، وبقيت تلك الحرمة إلى يومنا هذا، فلولا كونه سبحانه عالما بالأشياء قبل كونها، لما كان هذا التدبير وفقا للصلاح وثالثها: إنه تعالى لما أخبر في هذه السورة بقصة موسى وعيسى عليهما السلام، والتوراة والإنجيل، وما فيهما من الأحكام والأخبار، وذلك كله مما لم يشاهده نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أحد في عصره، قال فيما بعد (ذلك لتعلموا أن الله يعلم) ومعناه لولا أنه سبحانه بكل شئ عليم، لما جاز أن يخبركم عنهم فقوله (ذلك) إشارة إلى ما أنبأهم به من علم الغيب، والعلم بالكائنات.
(اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم [98] ما على الرسول إلا البلغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون [99] اللغة: العلم: ما اقتضى سكون النفس، فإن شئت قلت: هو اعتقاد الشئ على ما هو به عليه مع سكون النفس إلى ما اعتقده. والأول أوجز، ولا يجوز أن يحد العلم بالمعرفة، لأن المعرفة هي العلم، فكيف يحد الشئ بنفسه؟ والعلم يتناول الشئ على ما هو به وكذلك الرؤية، والفرق بينهما أن العلم يتعلق بالمعلوم على وجوه، والرؤية لا تتعلق بالمرئي إلا على وجه واحد. والعلم معنى يحل القلب، والرؤية ليست معنى على الحقيقة، لكن للرائي صفة بكونه رائيا، والعقاب هو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف، والإهانة، ولو اقتصرت على أن تقول هو الضرر المستحق، لكان كافيا، وكذلك لو قلت: هو الضرر الذي يقارنه استخفاف وإهانة، لكفى، وإنما سمي عقابا، لأنه يستحق عقيب الذنب الواقع من صاحبه، والمغفرة هي ستر الخطيئة برفع عقابها. وأصل الرسول من الإرسال، وهو الإطلاق، يقال أرسل الطير: إذا أطلقه، وترسل في القراءة: إذا تثبت. واسترسل الشئ: إذا تسلس. والرسل: اللبن لاسترساله من الضرع. والفرق بين الإرسال والإنباء أن الإنباء عن الشئ قد يكون من غير تحميل النبأ، والإرسال لا يكون إلا بتحميل