حال زوال التكليف، فلا يعتد به، وإنما ضعف هذا القول، من حيث لم يجر ذكر لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ها هنا، ولا ضرورة توجب رد الكناية إليه، وقد جرى ذكر عيسى، فالأولى أن يصرف ذلك إليه.
(ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) يعني: عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلغ رسالات ربه، وأقر على نفسه بالعبودية، وأنه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها، عن قتادة، وابن جريج. وقيل: يشهد عليهم بتصديق من صدقه، وتكذيب من كذبه، عن أبي علي الجبائي.
وفي هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة، وعلى أن إيمانه ذلك غير مقبول، كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف، ويقرب من هذا ما رواه الامامية أن المحتضرين من جميع الأديان، يرون رسول الله وخلفاءه عند الموت، ويروون في ذلك عن علي عليه السلام أنه قال للحارث الهمداني:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه واسمه وما فعلا فإن صحت هذه الرواية فالمراد برؤيتهم في تلك الحال: العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم، على اليقين، بعلامات يجدونها من نفوسهم، ومشاهدة أحوال يدركونها.
كما قد روي أن الانسان إذا عاين الموت، أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار.
(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا [160] وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالبطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما [161] المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقوله (فبظلم من الذين هادوا) أي:
من اليهود، معناه فبما ظلموا أنفسهم، بارتكاب المعاصي التي تقدم ذكرها، وقد مضى فيما تقدم عن الزجاج أنه قال: (فبظلم من الذين هادوا) بدل من قوله (فبنقضهم ميثاقهم) وما بعده، والعامل في الباء قوله (حرمنا عليهم طيبات)، ولكنه لما طال الكلام، أجمل في قوله (فبظلم) ما ذكره قبل، وأخبر أنه حرم على