(وحرض المؤمنين) على القتال: أي حثهم عليه (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا): أي يمنع شدة الكفار. قال الحسن: عسى من الله واجب، ووجه ذلك أن أطماع الكريم إنجاز، وإنما الأطماع تقوية أحد الأمرين على الآخر، دون قيام الدليل على التكافؤ في الجواز، وخروج (عسى) في هذا من معنى الشك، كخروجها في قول القائل: " أطع ربك في كل ما أمرك به ونهاك عنه عسى أن تفلح بطاعتك " (والله أشد بأسا): أي أشد نكاية في الأعداء منكم (وأشد تنكيلا): أي عقوبة، عن الحسن، وقتادة. وقيل: التنكيل الشهرة بالأمور الفاضحة، عن أبي علي الجبائي. وقيل: هو ما ينالهم على أيدي المسلمين من الإذلال، والسبي، والقتل، وتخريب الديار. وقيل: هو الانتقام والإهلاك.
القصة: قال الكلبي: إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة، يوم أحد، واعد رسول الله موسم بدر الصغرى، وهو سوق تقوم في ذي القعدة. فلما بلغ النبي الميعاد، قال للناس: أخرجوا إلى الميعاد فتثاقلوا وكرهوا ذلك كراهة شديدة، أو بعضهم.
فأنزل الله هذه الآية، فحرض النبي المؤمنين، فتثاقلوا عنه، ولم يخرجوا. فخرج رسول الله في سبعين راكبا، حتى أتى موسم بدر، فكفاهم الله بأس العدو، ولم يوافهم أبو سفيان، ولم يكن قتال يومئذ، وانصرف رسول الله بمن معه سالمين.
(من يشفع شفعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شئ مقيتا [85] اللغة: أصل الشفاعة: من الشفع الذي هو ضد الوتر، فإن الرجل إذا شفع بصاحبه فقد شفعه: أي صار ثانيه. ومنه الشفيع في الملك، لأنه يضم ملك غيره إلى ملك نفسه. واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي يوم القيامة، فقالت المعتزلة ومن تابعهم: يشفع لأهل الجنة ليزيد الله درجاتهم. وقال غيرهم من فرق الأمة: بل يشفع لمذنبي الأمة ممن ارتضى الله دينهم، ليسقط عقابهم بشفاعته. والكفل في اللغة: النصيب، وأخذ من قولهم: اكتفلت البعير: إذا أدرت على سنامه كساء، وركبت عليه. وإنما يقال ذلك، لأنه لم يستعمل الظهر كله، وإنما استعمل نصيب من الظهر. وقال الأزهري: الكفل: الذي لا يحسن ركوب الفرس، وأصله الكفل، وهو ردف العجز. ومنه الكفالة بالنفس والمال. والكفل: المثل. والمقيت: أصله