أنه يفعل أحدهما، وقد لعنهم الله بذلك. وثانيها: إن الوعيد يقع بهم في الآخرة، لأنه لم يذكر أنه يفعل بهم ذلك في الدنيا، تعجيلا للعقوبة، ذكره البلخي، والجبائي. وثالثها: إن هذا الوعيد باق منتظر لهم، ولا بد من أن يطمس الله وجوه اليهود، قبل قيام الساعة، بأن يمسخها، عن المبرد.
(أو نلعنهم): أي نخزيهم ونعذبهم عاجلا، عن أبي مسلم. وقيل: معناه نمسخهم قردة. (كما لعنا أصحاب السبت): يعني الذين اعتدوا في السبت، عن السدي، وقتادة، والحسن. وإنما قال سبحانه: (نلعنهم) بلفظ الغيبة، وقد تقدم خطابهم لأحد أمرين: إما للتصرف في الكلام كقوله (حتى إذا كنتم في الفلك) فخاطب، ثم قال (وجرين بهم بريح طيبة) فكنى عنهم، وإما لأن الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه، لأنهم في حكم المذكورين. (وكان أمر الله مفعولا) فيه قولان:
أحدهما: إن كل أمر من أمور الله سبحانه، من وعد، أو وعيد، أو خبر، فإنه يكون على ما أخبر به، عن الجبائي. والآخر: إن معناه أن الذي يأمر به بقول كن كائن لا محالة، وفي قوله سبحانه (من قبل أن نطمس وجوها) دلالة على أن لفظة (قبل) تستعمل في الشئ، أنه قبل غيره، ولم يوجد ذلك لغيره، ولا خلاف في أن استعماله يصح، ولذلك يقال: " كان الله سبحانه قبل خلقه ".
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما [48] اللغة: افترى: اختلق وكذب، وأصله من خلق الأديم. يقال: فريت الأديم، أفريه، فريا، إذا قطعته على وجه الإصلاح. وأفريته: إذا قطعته على وجه الإفساد.
الإعراب: (إثما عظيما): منصوب على المصدر، لان (افترى) بمعنى: أثم، وهذا كما تقول: حمدته شكرا.
النزول: قال الكلبي: نزلت في المشركين: وحشي وأصحابه، وذلك أنه لما قتل حمزة، وكان قد جعل له على قتله أن يعتق، فلم يوف له بذلك، فلما قدم مكة، ندم على صنيعه، هو وأصحابه، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إنا قد ندمنا على الذي صنعناه، وليس يمنعنا عن الاسلام إلا أنا سمعناك تقول، وأنت بمكة:
(الذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا