وأنشدوا في السائبة:
وسائبة لله ما لي تشكرا * إن الله عافى عامرا ومجاشعا وأنشدوا في الوصيلة، لتأبط شرا:
أجدك أما كنت في الناس ناعقا * تراعي بأعلى ذي المجاز الوصائلا وأنشد في الحامي:
حماها أبو قابوس في غير كنهه * كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا المعنى: ثم أخبر سبحانه أن قوما سألوا مثل سؤالهم، فلما أجيبوا إلى ما سألوا، كفروا فقال (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) وفيه أقوال أحدها: إنهم قوم عيسى عليه السلام سألوه إنزال المائدة، ثم كفروا بها، عن ابن عباس وثانيها: إنهم قوم صالح، سألوه الناقة، ثم عقروها، وكفروا بها. وثالثها: إنهم قريش حين سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحول الصفا ذهبا، عن السدي. ورابعها: إنهم كانوا سألوا النبي صلى اله عليه وآله وسلم عن مثل هذه الأشياء، يعني من أبي ونحوه، فلما أخبرهم بذلك، قالوا: ليس الامر كذلك، فكفروا به، فيكون على هذا نهيا عن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أنساب الجاهلية، لأنهم لو سألوا عنها، ربما ظهر الامر فيها على خلاف حكمهم، فيحملهم ذلك على تكذيبه، عن أبي علي الجبائي.
فإن قيل: ما الذي يجوز أن يسال عنه، وما الذي لا يجوز؟ فالجواب: إن الذي يجوز السؤال عنه، هو ما يجوز العمل عليه في الأمور الدينية أو الدنيوية، وما لا يجوز العمل عليه في أمور الدين والدنيا، لا يجوز السؤال عنه. فعلى هذا لا يجوز أن يسأل الانسان: من أبي؟ لان المصلحة قد اقتضت أن يحكم على كل من ولد على فراش انسان بأنه ولده، وإن لم يكن مخلوقا من مائه، فالمسألة بخلاف ذلك سفه لا يجوز. ثم ذكر سبحانه الجواب عما سألوه عنه. وقيل: إنه لما تقدم ذكر الحلال والحرام بين حال ما يعتقده أهل الجاهلية من ذلك فقال (ما جعل الله من بحيرة) يريد ما حرمها على ما حرمها أهل الجاهلية من ذلك، ولا أمر بها.
والبحيرة: هي الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، وامتنعوا من ركوبها ونحرها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع من مرعى، فإذا لقيها المعيى لم يركبها، عن الزجاج.