منه المفتاح، يوم فتح مكة، وأراد أن يدفعه إلى العباس، لتكون له الحجابة والسقاية، عن ابن جريج. والمعول على ما تقدم، وإن صح القول الأخير، والرواية فيه، فقد دل الدليل على أن الامر إذا ورد على سبب لا يجب قصره عليه بل يكون على عمومه.
(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) أمر الله الولاة والحكام أن يحكموا بالعدل والنصفة، ونظيره قوله: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق). وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: " سو بين الخصمين في لحظك ولفظك ". وورد في الآثار أن الصبيين ارتفعا إلى الحسن بن علي في خط كتباه وحكماه في ذلك، ليحكم أي الخطين أجود، فبصر به علي، فقال: يا بني أنظر كيف تحكم، فإن هذا حكم والله سائلك عنه يوم القيامة. (إن الله نعما يعظكم به): أي نعم الشئ ما يعظكم به من الامر برد الأمانة، والنهي عن الخيانة، والحكم بالعدل. ومعنى الوعظ: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقيل: هو الامر بالخير، والنهي عن الشر (إن الله كان سميعا) بجميع المسموعات، و (بصيرا) بجميع المبصرات. وقيل: معناه عالم بأقوالكم وأفعالكم، وأدخل (كان) تنبيها على أن هذه الصفة، واجبة له فيما لم يزل.
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [59] المعنى: لما بدأ في الآية المتقدمة بحث الولاة على تأدية حقوق الرعية، والنصفة والتسوية بين البرية، ثناه في هذه الآية بحث الرعية على طاعتهم، والاقتداء بهم، والرد إليهم فقال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله): أي ألزموا طاعة الله سبحانه فيما أمركم به، ونهاكم عنه، (وأطيعوا الرسول): أي والزموا طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا، وإنما أفرد الامر بطاعة الرسول، وإن كانت طاعته مقترنة بطاعة الله، مبالغة في البيان، وقطعا لتوهم من توهم أنه لا يجب لزوم ما ليس في القرآن من الأوامر ونظيره قوله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). (وما ينطق عن الهوى). وقيل: معناه أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا