من أنواع العذاب، ثم أقسم تعالى قسما آخر فقال (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) والقائلون بهذه المقالة جمهور النصارى من الملكانية، واليعقوبية، والنسطورية، لأنهم يقولون: " ثلاثة أقاليم جوهر واحد: آب، وابن، وروح القدس، إله واحد "، ولا يقولون ثلاثة آلهة، ويمنعون من هذه العبارة وإن كان يلزمهم أن يقولوا ثلاثة آلهة، فصح أن يحكى عنهم بالعبارة اللازمة، وإنما قلنا إنه يلزمهم ذلك، لأنهم يقولون: الابن إله، والأب إله، وروح القدس إله. والابن ليس هو الأب (وما من إله إلا إله واحد) أي: ليس إله إلا إلها واحدا، وإنما دخلت من للتوكيد (وإن لم ينتهوا عما يقولون) أي: وإن لم يرجعوا ويتوبوا عما يقولون من القول بالتثليث، أقسم (ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) وإنما خص سبحانه (1) الذين يستمرون على كفرهم، لأنه علم أن بعضهم يؤمن، عن أبي علي الجبائي، والزجاج. وقيل: إنه عم بقوله (الذي كفروا) الفريقين الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، والذين قالوا: إن الله هو ثالث ثلاثة، والضمير عائد إلى أهل الكتاب.
وليس في هذا دلالة على أن في أفعال الجوارح ما هو كفر، لأنه إنما يتضمن أن من قال: إنه ثالث ثلاثة، فهو كافر، ولا خلاف في ذلك، فإن من قال: إن الكفر هو الجحود بالقلب، قال: إن في أفعال الجوارح ما يدل على الكفر الذي هو الجحود مثل هذه المقالة، ومثل السجود للصنم، وغير ذلك، فلا دلالة في الآية على ما قالوه (أفلا يتوبون إلى الله) قال الفراء: هذا أمر في لفظ الاستفهام، وقد يرد الامر بلفظ الاستفهام كقوله (فهل أنتم منتهون) وإنما دخلت (إلى) لان معنى التوبة الرجوع إلى طاعة الله، لان التائب بمنزلة من ذهب عنها، ثم عاد إليها (ويستغفرونه) الفرق بين التوبة والاستغفار أن الاستغفار: طلب المغفرة بالدعاء، والتوبة، أو غيرهما من الطاعة، والتوبة الندم على المعصية مع العزم على أن لا يعود إلى مثلها في القبح.
والاستغفار مع الإصرار على القبيح لا يصح (والله غفور رحيم) يغفر الذنوب ويسترها رحمة منه لعباده، وفي هذه الآية تحريض على التوبة، وحث على الاستغفار.
(ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه