خرجنا من الدنيا، ونحن من أهلها، * فلسنا من الاحياء فيها، ولا الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجة، * عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا (ذلك) أي: فعل ما ذكرناه (لهم خزي) أي: فضيحة وهوان (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) زيادة على ذلك. وفي هذا دلالة على بطلان قول من ذهب إلى أن إقامة الحدود تكفير للمعاصي، لأنه سبحانه بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما، مع أنه أقيمت عليهم الحدود. والمعنى أنهم يستحقون العذاب العظيم، وليس في الآية أنه يفعل ذلك بهم لا محالة، لأنه يجوز أن يعفو الله عنهم، ويتفضل عليهم بإسقاط ما يستحقونه من العذاب الأكبر.
(إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) لما بين سبحانه حكم المحارب، استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه، قبل أن يؤخذ ويقدر عليه، لان توبته بعد قيام البينة عليه، ووقوعه في يد الامام، لا تنفعه، بل يجب إقامة الحد عليه (فاعلموا أن الله غفور رحيم) يقبل توبته، ويدخله الجنة. وفي هذه الآية حجة على من قال: لا تصح التوبة من معصية مع الإقامة على معصية أخرى يعلم صاحبها أنها معصية، لأنه تعالى علق بالتوبة حكما لا تخل به الإقامة على معصية، هي السكر، أو غيره.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجهدوا في سبيله لعلكم تفلحون [35] اللغة: أصل الاتقاء في اللغة: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقى السيف بالترس، ويقال: اتقوا الغريم بحقه. والوسيلة: فعيلة من قولهم: توسلت إليه أي:
تقربت، قال عنترة بن شداد:
إن الرجال لهم إليك وسيلة * إن يأخذوك تلجلجي وتحصني (1) ويقال: وسل إليه أي: تقرب، قال لبيد " بلى كل ذي رأي إلى الله واسل " فمعنى الوسيلة: الوصلة والقربة.