قال بعض أهل التحقيق: فعلى هذا يجب أن يكون موضع أن في قوله (وأن أكثركم فاسقون) نصبا بإضمار اللام على تأويل ولأن أكثركم فاسقون. وقيل: لما ذكر تعالى ما نقمه اليهود عليهم من الإيمان بجميع الرسل، وليس هو مما ينقم ذكر في مقابلته فسقهم، وهو مما ينقم، ومثل هذا يحسن في الازدواج، يقول القائل: هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر؟ وإلا أني غني وأنك فقير؟ فيحسن ذلك لإتمام المعنى بالمقابلة، ومعنى (فاسقون): خارجون عن أمر الله طلبا للرئاسة، وحسدا على منزلة النبوة، والمراد بالأكثر من لم يؤمن منهم، لان قليلا من أهل الكتاب آمن. وقيل في قوله (وأن أكثركم فاسقون) قول آخر ذكره أبو علي الجرجاني صاحب النظم قال: يجعله منظوما بقوله (آمنا بالله) على تأويل آمنا بالله، وبأن أكثركم فاسقون. فيكون موضع ان جر بالباء، وهذا وجه حسن.
(قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل [60] القراءة: قرأ حمزة وحده: (وعبد الطاغوت) بضم الباء، وجر التاء.
والباقون: (وعبد الطاغوت) بفتح الباء ونصب التاء. وروى في الشواذ قراءة الحسن، وابن هرمز: (مثوبة) ساكنة الثاء مفتوحة الواو، وكذلك في سورة البقرة (لمثوبة). وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، وإبراهيم النخعي، والأعمش، وأبان بن تغلب: (وعبد الطاغوت) بضم العين والباء، وفتح الدال، وخفض الطاغوت. وقرأ أبي بن كعب (عبدوا الطاغوت). ورواية عكرمة عن ابن عباس: (وعبد الطاغوت) بتشديد الباء وفتح الدال. وقراءة أبي واقد: (وعباد الطاغوت) وقراءة أبي جعفر الرؤاسي النحوي: (وعبد الطاغوت) كقولك ضرب زيد، لم يسم فاعله. وقراءة عون العقيلي، وابن بريدة: (وعابد الطاغوت). ورواية علقمة، عن ابن مسعود (وعبد الطاغوت) على وزن صرد: فهذه عشر قراءات اثنتان منها في السبعة.
الحجة: قال أبو علي: حجة حمزة في قراءة (وعبد الطاغوت) أن يحمله على ما عمل فيه، جعل كأنه وجعل منهم عبد الطاغوت. ومعنى جعل: خلق، كقوله (وجعل الظلمات والنور وجعل زوجها) وليس (عبد) لفظ جمع، لأنه ليس من أبنية الجموع شئ على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في