وجبت ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني كما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبي أمامة الباهلي. وقيل: نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي، عن مجاهد.
المعنى: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوءكم) خاطب الله المؤمنين، ونهاهم عن المسالة عن أشياء، لا يحتاجون إليها في الدين، إذا أبديت وأظهرت ساءت وحزنت، وذلك نحو ما مضى ذكره من الرجل الذي سأل عن أبيه، وأشباه ذلك من أمور الجاهلية. وقيل: إن تقديره لا تسألوه عن أشياء عفا الله عنها، إن تبد لكم تسوءكم، فقدم وأخر فعلى هذا يكون قوله (عفا الله عنها) صفة لأشياء أيضا، ومعناه: كف الله عن ذكرها، ولم يوجب فيها حكما. وكلام الزجاج يدل على هذا، لأنه قال: أعلم الله ان السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع، فإنه إذا ظهر فيه الجواب ساء ذلك، وخاصة في وقت سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جهة تبيين الآيات، فنهى الله عز وجل عن ذلك، وأعلم أنه قد عفا عنها، ولا وجه لمسألة ما عفا الله عنه، ولعل فيه فضيحة على السائل إن ظهر، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: (إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء، ولم يدعها نسيانا، فلا تتكلفوها.
وقال مجاهد: كان ابن عباس إذا سئل عن الشئ لم يجئ فيه أثر، يقول:
هو من العفو، ثم يقرأ هذه الآية (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) معناه وإن ألححتم وسألتم عنها عند نزول القرآن، أظهر لكم جوابها، إذا لم تقصدوا التعنت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تتكلفوا السؤال عنها في الحال. وقيل: معناه وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن، تحتاجون إليها في الدين، من بيان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحو ذلك، تكشف لكم، وهذه الأشياء غير الأشياء الأولى، إلا أنه قال: وإن تسألوا عنها، لأنه كان قد سبق ذكر الأشياء. وقيل: إن الهاء راجعة إلى الأشياء الأولى، فبين لهم أنكم إن سألتم عنها عند نزول القرآن في الوقت الذي يأتيه الملك بالقرآن، يظهر لكم ما تسألون عنه في ذلك الوقت، فلا تسألوه، ودعوه