إن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة، كما أخبر الله سبحانه عنهم بذلك، فلم يكن اليهود يعرفون عيسى بعينه، وإنما أخبروا أنهم قتلوا رجلا. قيل لهم: إنه عيسى، فهم في خبرهم صادقون، وإن لم يكن المقتول عيسى، وإنما اشتبه الامر على النصارى، لان شبه عيسى ألقي على غيره، فرأوا من هو على صورته مقتولا مسلوبا، فلم يخبر أحد من الفريقين إلا عما رآه، وظن أن الامر على ما أخبر به، فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الأخبار بحال.
(وإن من أهل الكتب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا [159] الاعراب: إن في قوله (وإن من أهل الكتاب) نافية، وأكثر ما تأتي مع الا، وقد تأتي من غير الا نحو قوله (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) أي: في الذي ما مكناكم فيه. قال الزجاج: المعنى وما منهم أحد إلا ليؤمنن به، وكذلك قوله: (وإن منكم إلا واردها) معناه: وما منكم أحد إلا واردها. وكذلك (وما منا إلا له مقام معلوم) أي: وما منا أحد إلا له مقام، ومثله قول الشاعر:
لو قلت ما في قومها، لم تيثم (1) * يفضلها في حسب وميسم (2) أي: ما في قومها أحد يفضلها. وذهب الكوفيون إلى أن المعنى: وما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، وما منكم إلا من هو واردها، وما منا إلا من له مقام.
وأهل البصرة لا يجيزون حذف الموصول، وتبقية الصلة.
المعنى: ثم أخبر تعالى أنه لا يبقى أحد منهم إلا ويؤمن به، فقال: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) اختلف فيه على أقوال أحدها: إن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح، أي: ليس يبقى أحد من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، إلا ويؤمنن بالمسيح، قبل موت المسيح، إذا أنزله الله إلى الأرض،