الدين، كني عن البصيرة بهذا اللفظ، لان ما كان على بصيرة من أمر دينه، كان ذلك أدعى له إلى الثبات عليه، وكان هو أقوى في اعتقاد الحق، وأدوم عليه ممن لم يكن على بصيرة منه. وقيل: معناه أن قبولهم وعظ الله، ووعظ رسوله، في أمور الدين والدنيا، أشد تثبيتا لهم على الحق والصواب، وأمنع لهم من الضلال، وأبعد من الشبهات، كما قال: (والذين اهتدوا زادهم هدى). وقيل: إن معناه وأكثر انتفاعا بالحق، لان الانتفاع بالحق يدوم، ولا يبطل، لأنه يتصل بثواب الآخرة، والانتفاع بالباطل، يبطل ويضمحل، ويتصل بعقاب الآخرة. قال البلخي: معنى الآية " لو فرض عليهما القتل، أو الخروج من الديار، لم يفعلوا، فإذا لم يفرض عليهم ذلك، فليفعلوا ما أمروا به مما هو أسهل عليهم منه، فإن ذلك خير لهم، وأشد تثبيتا لهم على الايمان " وفي الدعاء: " اللهم ثبتنا على دينك " ومعناه: ألطف لنا ما نثبت معه عليه.
(وإذا لآتيناهم): هذا متصل بما قبله: أي ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم: أي لأعطيناهم (من لدنا): أي من عندنا (أجرا عظيما) لا يبلغ أحد كنهه، ولا يعرف منتهاه، ولا يدرك قصواه وإنما ذكر من لدنا تأكيدا بأنه لا يقدر عليه غيره، وليدل على الاختصاص، فإن الأجر يجوز أن يصل إلى المثاب على يد بعض العباد، فإذا وصل الثواب إليه بنفسه، كان أشرف للعبد، وأبلغ في النعمة. (ولهديناهم صراطا مستقيما): أي ولثبتناهم مع ذلك على الطريق المستقيم. وقيل: معناه بما نفعله من الألطاف التي يثبتون معها على الطاعة، ويلزمون الاستقامة، وتقديره: ووفقناهم للثبات على الصراط المستقيم. وقيل: معناه ولهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة، عن أبي علي الجبائي، قال: " ولا يجوز أن تكون الهداية هنا الإرشاد إلى الدين، لأنه سبحانه وعد بها المؤمن المطيع، ولا يكون كذلك إلا وقد اهتدى ".
(ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [69] ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما [70] اللغة: الصديق: المداوم على التصديق بما يوجبه الحق. وقيل: الصديق الذي عادته الصدق، وهذا البناء يكون لمن غلب على عادته فعل. يقال لملازم