الحقيقة أشياء مثل ما ذكرناه في الانسان، والسراج، وغيرهما، فقد تركوا القول بالتوحيد، والتحقوا بالمشبهة، وإلا فلا واسطة بين الأمرين (انتهوا) عن هذه المقالة الشنيعة أي: امتنعوا عنها (خيرا لكم) أي: ائتوا بالانتهاء عن قولكم، خيرا لكم مما تقولون (إنما الله إله واحد) أي: ليس كما تقولون إنه ثالث ثلاثة، لان من كان له ولد، أو صاحبة، لا يجوز أن يكون إلها معبودا، ولكن الله الذي له الإلهية، وتحق له العبادة، إله واحد، لا ولد له، ولا شبه له، ولا صاحبة له، ولا شريك له.
ثم نزه سبحانه نفسه عما يقوله المبطلون فقال: (سبحانه أن يكون له ولد) ولفظة (سبحانه) تفيد التنزيه عما لا يليق به، أي: هو منزه عن أن يكون له ولد (له ما في السماوات وما في الأرض) ملكا، وملكا، وخلقا، وهو يملكها، وله التصرف فيها، وفيما بينهما، ومن جملة ذلك عيسى وأمه، فكيف يكون المملوك والمخلوق ابنا للمالك، والخالق؟ (وكفى بالله وكيلا) أي: حسب ما في السماوات، وما في الأرض، بالله قيما، ومدبرا، ورازقا. وقيل: معناه وكفى بالله حافظا لاعمال العباد، حتى يجازيهم عليها، فهو تسلية للرسول، ووعيد للقائلين فيه سبحانه، بما لا يليق (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا [172] فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا [173] اللغة: الاستنكاف: الأنفة من الشئ، وأصله في اللغة من نكفت الدمع: إذا نحيته بإصبعك من خدك، قال الشاعر:
فباتوا فلولا ما تذكر منهم * من الحلف لم ينكف لعينك مدمع (1)