على معنى النهي، لان الله ذم هذه الأفعال، وأظهر قبحها، وإذا ظهر قبح الفعل للمخاطب، ثم استفهم عن تركه، لم يسعه إلا الإقرار بالترك، فكأنه قيل له: أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه ما ظهر؟ فصار المنتهي بقوله: (فهل أنتم منتهون) في محل من عقد عليه ذلك بإقراره، وكان هذا أبلغ في باب النهي من أن يقال انتهوا ولا تشربوا.
(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين [92] المعنى: لما أمر الله تعالى باجتناب الخمر، وما بعدها، عقبه بالأمر بالطاعة له فيه، وفي غيره فقال (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) والطاعة هي امتثال الامر، والانتهاء عن المنهي عنه، ولذلك يصح أن يكون الطاعة طاعة الاثنين بأن يوافق أمرهما وإرادتهما (واحذروا) هذا أمر منه تعالى بالحذر من المحارم والمناهي. قال عطاء: يريد واحذروا سخطي، والحذر: هو امتناع القادر من الشئ لما فيه من الضرر (فإن توليتم) أي: فإن أعرضتم، ولم تعملوا بما آمركم به، (فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) معناه الوعيد والتهديد، كأنه قال: فاعلموا أنكم قد استحققتم العقاب، لتوليكم عما أدى رسولنا إليكم من البلاغ المبين، يعني الأداء الظاهر الواضح، فوضع كلام موضع كلام للإيجاز، ولو كان الكلام على صيغة من غير هذا التقدير لا يصح لان عليهم أن يعلموا ذلك، تولوا أو لم يتولوا. وما في قوله أنما كافة لأن عن عملها.
(ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين [93] النزول: لما نزل تحريم الخمر والميسر، قالت الصحابة: يا رسول الله! ما تقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر؟ فأنزل الله هذه الآية، عن ابن عباس، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، ومجاهد، وقتادة، والضحاك. وقيل: إنها نزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم، وسلكوا طريق الترهيب، كعثمان بن مظعون وغيره، فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح