(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا [51] أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا [52] اللغة: الجبت: لا تصريف له في اللغة العربية، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: " هو السحر (1) بلغة أهل الحبشة " وهذا يحمل على موافقة اللغتين، أو على أن العرب أدخلوها في لغتهم، فصارت لغة لهم. واللعنة: الابعاد من رحمة الله عقابا على معصيته، فلذلك لا يجوز لعن البهائم، ولا من ليس بعاقل من المجانين والأطفال، لأنه سؤال العقوبة لمن يستحقها، فمن لعن بهيمة، أو حشرة، أو نحو ذلك، فقد أخطأ، لأنه سأل الله تعالى ما لا يجوز في حكمته، فإن قصد بذلك الابعاد على وجه العقوبة، جاز.
الإعراب: (سبيلا): منصوب على التمييز، كما تقول: هذا أحسن منك وجها. (أولئك): لفظة جمع واحده ذا في المعنى، كما يقال نسوة، في جمع امرأة. وغلب على أولاء هاء التي للتنبيه، وليس ذلك في (أولئك) لان في حرف الخطاب تنبيها للمخاطب، وصار الكاف معاقبا للهاء التي للتنبيه، في أكثر الاستعمال.
النزول: قيل: كان أبو برزة كاهنا في الجاهلية، فتنافس إليه ناس ممن أسلم، فنزلت الآية، عن عكرمة. وقيل: وهو قول أكثر المفسرين، إن كعب بن الأشرف، خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة، بعد وقعة أحد، ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينقضوا العهد الذي كان بينهم، وبين رسول الله، فنزل كعب على أبي سفيان، فأحسن مثواه، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة:
إنكم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، فلا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن نخرج معك، فاسجد لهذين الصنمين، وآمن بهما. ففعل. فذلك قوله (يؤمنون بالجبت والطاغوت)، ثم قال كعب: يا أهل مكة! ليجئ منكم ثلاثون، ومنا ثلاثون، فنلصق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب البيت، لنجهدن على قتال محمد!