يكون خلق كفره، وجعله كافرا، وليس لهم أن يقولوا إنا نستفيد من قوله: " وجعل منهم من عبد الطاغوت " أو عبد الطاغوت، أنه خلق ما به كان عابدا، كما نستفيد من قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) أنه جعل ما به كانوا كذلك، وذلك أنا إنما استفدنا ما ذكروه، لان الدليل قد دل على أن ما به يكون القرد قردا، والخنزير خنزيرا، لا يكون إلا من فعل الله، وليس كذلك ما به يكون الكافر كافرا، فإنه قد دل الدليل على أنه يتعالى عن فعله وخلقه فافترق الأمران.
(أولئك شر مكانا) أي: هؤلاء الذين وصفهم الله بأنه لعنهم، وغضب عليهم، وأنهم عبدوا الطاغوت، شر مكانا، لان مكانهم سقر، ولا شر في مكان المؤمنين. ومثله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا، وقيل: معناه أنهم شر مكانا في عاجل الدنيا، وآجل الآخرة، ممن نقمتم من المؤمنين. أما في الدنيا فبالقتل والسبي، وضرب الذلة والمسكنة عليهم، وإلزام الجزية. وأما في الآخرة فبعذاب الأبد (وأضل عن سواء السبيل) أي: أجوز عن الطريق المستقيم، وأبعد من النجاة. قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية عير المسلمون أهل الكتاب وقالوا: يا إخوان القردة والخنازير، فنكسوا رؤوسهم وافتضحوا.
(وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون [61] وترى كثيرا منهم يسرعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون [62] لولا ينههم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون [63] اللغة: الفرق بين الاثم والعدوان: إن الاثم الجرم كائنا ما كان. والعدوان الظلم. وقد مر معنى السحت قبل. والصنع والعمل واحد. وقيل الفرق بينهما: إن الصنع مضمن بالجودة من قولهم ثوب صنيع، وفلان صنيعة فلان: إذا استخلصه على غيره. وصنع الله لفلان أي: أحسن إليه، وكل ذلك كالفعل الجيد.
الاعراب: قد تدخل في الكلام على وجهين: إذا كانت مع الماضي قريبة من الحال، وإذا كانت مع المستقبل دلت على التقليل، وموضع الباء من قوله: (وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) نصب على الحال، لان المعنى دخلوا كافرين،