منكم): أي يرضى كل واحد منكما بذلك. وقيل: في معنى التراضي في التجارة قولان: أحدهما: إنه إمضاء البيع بالتفرق، أو التخاير، بعد العقد، وهو قول شريح، والشعبي، وابن سيرين، ومذهب الشافعي، والامامية، لقوله: " البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يكون بيع خيار ". وربما قالوا، أو يقول أحدهما للآخر:
اختر والثاني: انه البيع بالعقد فقط، عن مالك، وأبي حنيفة. (ولا تقتلوا أنفسكم) فيه أربعة أقوال أحدها: إن معناه لا يقتل بعضكم بعضا، لأنكم أهل دين واحد، وأنتم كنفس واحد، كقوله (سلموا على أنفسكم)، عن الحسن، وعطا، والسدي، والجبائي. وثانيها: أنه نهى الانسان عن قتل نفسه في حال غضب، أو ضجر، عن أبي القاسم البلخي. وثالثها: إن معناه: لا تقتلوا أنفسكم بأن تهلكوها بارتكاب الآثام، والعدوان في أكل المال بالباطل، وغيره من المعاصي التي تستحقون بها العذاب. ورابعها: ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام أن معناه: لا تخاطروا بنفوسكم في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه.
(إن الله كان بكم رحيما): أي لم يزل بكم رحيما، وكان من رحمته أن حرم عليكم قتل الأنفس وإفساد الأموال، (ومن يفعل ذلك) قيل: إن ذلك إشارة إلى أكل الأموال بالباطل، وقتل النفس بغير حق، وقيل: إشارة إلى المحرمات في هذه السورة، من قوله (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها). وقيل:
إشارة إلى فعل كل ما نهى الله عز وجل عنه، من أول السورة. وقيل: إلى قتل النفس المحرمة خاصة، عن عطا (عدوانا وظلما) قيل: هما واحد، وأتي بهما لاختلاف اللفظين، كما قال الشاعر " وألفى قولها كذبا ومينا " (1). وقيل: العدوان تجاوز ما أمر الله به، والظلم أن يأخذه على غير وجه الاستحقاق. وقيل: إنما قيده بالعدوان والظلم لأنه أراد به المستحلين. (فسوف نصليه نارا): أي نجعله صلى نار، ونحرقه بها. (وكان ذلك): أي إدخاله النار، وتعذيبه فيها (على الله) سبحانه (يسيرا) هينا، لا يمنعه منه مانع، ولا يدفعه عنه دافع، ولا يشفع عنده إلا بإذنه شافع.
(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم