يتوسط لنا برضاء الخصمين، دون الحكم المورث للضغائن. فقوله: (إلا إحسانا): أي إحسانا إلى الخصوم (وتوفيقا) بينهم بالتماس التوسعة دون الحمل على مر الحكم. وأراد (بالتوفيق): الجمع والتأليف. وقيل: (توفيقا): أي طلبا لما يوافق الحق. وقيل: إن المعني بالآية عبد الله بن أبي. والمصيبة: ما أصابه من الذل برجعتهم من غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، حين نزلت سورة المنافقين، فاضطر إلى الخشوع والاعتذار. وسنذكر ذلك إن شاء الله في سورة المنافقين، أو مصيبة الموت لما تضرع إلى رسول الله في الإقالة والاستغفار واستوهبه ثوبه، ليتقي به النار، يقولون: ما أردنا بالكلام بين الفريقين المتنازعين (1) بني المصطلق، ذكره الحسين بن علي المغربي.
وفي الآية دلالة على أنه قد تصيب المصيبة بما يكتسبه العبد من الذنوب، ثم اختلف في ذلك، فقال أبو علي الجبائي: لا يكون ذلك إلا عقوبة إلا في التائب.
وقال أبو هاشم: يكون ذلك لطفا. وقال القاضي عبد الجبار: قد يكون ذلك لطفا، وقد يكون جزاء، وهو موقوف على الدليل.
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من الشرك، والنفاق، والخيانة، (فأعرض عنهم): أي لا تعاقبهم، (وعظهم) بلسانك، (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا): أي قل لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم. فهذا هو القول البليغ، لأنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ، عن الحسن. وقيل معناه: فأعرض عن قبول الاعتذار منهم، وعظهم مع ذلك، وخوفهم بمكاره تنزل بهم في أنفسهم، إن عادوا لمثل ما فعلوه، عن أبي علي الجبائي. وفي قوله: (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) دلالة على فضل البلاغة، وحث على اعتمادها بأوضح بيان، لكونها أحد أقسام الحكمة، لما فيها من بلوغ المعنى الذي يحتاج إلى التفسير باللفظ الوجيز، مع حسن الترتيب.
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله