فيهما، بأن أقاموهما نصب أعينهم، لئلا يزلوا في شئ من حدودهما (وما أنزل إليهم من ربهم) يريد به القرآن، عن ابن عباس، واختاره الجبائي. وقيل: المراد به كل ما دل الله عليه من أمور الدين (لأكلوا من فوقهم) بإرسال السماء عليهم مدرارا، (ومن تحت أرجلهم) بإعطاء الأرض خيرها وبركتها، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد. وقيل: المراد لأكلوا ثمار النخيل والأشجار من فوقهم، والزرع من تحت أرجلهم. والمعنى: لتركوا في ديارهم، ولم يجلوا عن بلادهم، ولم يقتلوا، فكانوا يتمتعون بأموالهم، وزروعهم، وثمارهم، وما رزقهم الله من النعم، وإنما خص سبحانه الأكل لأن ذلك معظم الانتفاع. وفي هذا تأسيف لليهود على ما فاتهم، واعتداد بسعة ما كانوا فيه من نعم الله عليهم، وهو جواب تبخيلهم إياه في قولهم (يد الله مغلولة). وقيل: إن المعنى في قوله (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) التوسعة كما يقال فلان في الخير من قرنه إلى قدمه أي: يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها، ونظير هذه الآية قوله (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) جعل الله تعالى التقوى من أسباب التوسعة في الرزق (منهم أمة مقتصدة) أي: من هؤلاء قوم معتدلون في العمل من غير غلو، ولا تقصير. قال أبو علي الجبائي: وهم الذين أسلموا منهم، وتابعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبه قال مجاهد، والسدي، وابن زيد، وهو المروي في تفسير أهل البيت عليهم السلام. وقيل: يريد به النجاشي وأصحابه. وقيل: إنهم قوم لم يناصبوا النبي مناصبة هؤلاء، حكاه الزجاج. ويحتمل أن يكون أراد به من يقر منهم بأن المسيح عبد الله ولا يدعي فيه الإلهية (وكثير منهم ساء ما يعملون) قبح عملهم أي:
أكثر هؤلاء اليهود والنصارى، يعملون الاعمال السيئة، وهم الذين يقيمون على الكفر والجحود بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين [67] القراءة: قرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر، عن عاصم: (رسالاته) على الجمع. والباقون: (رسالته) على التوحيد.
الحجة: قال أبو علي: حجة من جمع أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل