(نشوزا) أي: استعلاء وارتفاعا بنفسه عنها، إلى غيرها، إما لبغضه، وإما لكراهته منها شيئا، إما دمامتها، وإما علو سنها، أو غير ذلك (أو إعراضا) يعني انصرافا بوجهه، أو ببعض منافعه التي كانت لها منه. وقيل: يعني بإعراضه عنها: هجرانه إياها، وجفاها، وميله إلى غيرها (فلا جناح عليهما) أي: لا حرج ولا إثم على كل واحد منهما من الزوج والزوجة (أن يصلحا بينهما صلحا) بأن تترك المرأة له يومها، أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة، أو كسوة، أو غير ذلك، لتستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله (والصلح خير) معناه والصلح بترك بعض الحق (خير) من طلب الفرقة بعد الألفة. هذا إذا كان بطيبة من نفسها، فإن لم يكن كذلك، فلا يجوز له إلا ما يسوغ في الشرع من القيام بالكسوة، والنفقة، والقسمة، وإلا طلقها.
وبهذه الجملة قالت الصحابة والتابعون منهم علي، وابن عباس، وعائشة، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم.
(وأحضرت الأنفس الشح) اختلف في تأويله فقيل: معناه وأحضرت أنفس النساء الشح على أنصبائهن من أنفس أزواجهن، وأموالهن، وأيامهن منهم، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطا، والسدي. وقيل: معناه وأحضرت أنفس كل واحد من الرجل والمرأة الشح بحقه، قبل صاحبه، فشح المرأة يكون بترك حقها من النفقة، والكسوة، والقسمة، وغيرها، وشح الرجل بإنفاقه على التي لا يريدها.
وهذا أعم، وبه قال ابن وهب، وابن زيد. (وإن تحسنوا) خطاب للرجال أي:
وإن تفعلوا الجميل بالصبر على ما تكرهون من النساء (وتتقوا) من الجور عليهن في النفقة، والكسوة، والعشرة بالمعروف. وقيل: إن تحسنوا في أقوالكم وأفعالكم، وتتقوا معاصي الله (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) أي: هو سبحانه خبير بما يكون منكم في أمرهن، بحفظه لكم، وعليكم، حتى يجازيكم بأعمالكم.
(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما [129] وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما [130]