هذه الآية، وقرأها عليهم، قالوا: إن محمدا قد ذكره وفضله بالكلام عليهم (رسلا مبشرين) بالجنة والثواب، لمن آمن وأطاع. (ومنذرين) بالنار والعقاب لمن كفر وعصى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فيقولوا: لم ترسل إلينا رسولا، ولو أرسلت لآمنا بك، كما أخبر سبحانه في آية أخرى بقوله (لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا).
وفي هذه الآية دلالة على فساد قول من زعم أن عند الله تعالى من اللطف، ما لو فعله بالكافر لآمن، لأنه لو كان كذلك، لكان للكافر الحجة بذلك على الله تعالى قائمة. فأما من لم يعلم من حاله أن له في إنفاذ الرسل إليه لطفا، فالحجة قائمة عليه بالعقل، وأدلته الدالة على توحيده وعدله، ولو لم يقم الحجة إلا بإنفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين أحدهما: إن صدق الرسول لا يمكن العلم به إلا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل، فإن كانت الحجة عليه (1) غير قائمة، فلا طريق له إلى معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه. والثاني: إنه لو كانت الحجة لا تقوم إلا بالرسل، لاحتاج الرسول أيضا إلى رسول آخر، حتى تكون الحجة عليه قائمة، والكلام في رسوله كالكلام فيه، حتى يتسلسل، وذلك فاسد. فمن استدل بهذه الآية على أن التكليف لا يصح بحال إلا بعد إنفاذ الرسل، فقد أبعد لما قلناه. (وكان الله عزيزا) أي:
مقتدرا على الانتقام ممن يعصيه، ويكفر به (حكيما) فيما أمر به عباده، وفي جميع أفعاله.
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا [166] النزول: قيل: إن جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي لهم: إني أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله. فقالوا: لا نعلم ذلك، ولا نشهد به.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المعنى: ثم قال سبحانه بعد إنكارهم وجحودهم: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك) معناه: إن لم يشهد لك هؤلاء بالنبوة، فالله يشهد لك بذلك. قال الزجاج: