وقيل: إن تقديره لا تنكحوا نكاح آبائكم: أي مثل نكاح آبائكم، فيكون (ما نكح) بمنزلة المصدر، وتكون (ما) حرفا موصولا. فعلى هذا يكون النهي عن حلائل الآباء، وكل نكاح كان لهم فاسد، وهو اختيار الطبري. وفي الوجه الأول يكون (ما) اسما موصولا، يحتاج إلى عائد من صلته إليه. قال الطبري: إن الوجه الثاني أجود، لأنه لو أراد حلائل الآباء لقال لا تنكحوا من نكح آباؤكم. وقد أجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يكون ذهب به مذهب الجنس، كما يقول القائل: لا تأخذ ما أخذ أبوك من الإماء، فيذهب به مذهب الجنس، ثم يفسره بمن (إلا ما قد سلف) فإنكم لا تؤاخذون به. وقيل: معناه إلا ما قد سلف، فدعوه، فهو جائز لكم. قال البلخي:
وهذا خلاف الاجماع، وما علم من دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: معناه لكن ما سلف فاجتنبوه ودعوه، عن قطرب. وقيل: إنما استثنى ما قد مضى، ليعلم أنه لم يكن مباحا لهم.
(إنه كان فاحشة): أي زنا (ومقتا): أي بغضا، يعني يورث بغض الله، ويجوز أن يكون الهاء في إنه عائدا إلى النكاح بعد النهي، فيكون معناه: إن نكاح امرأة الأب فاحشة: أي معصية محرمة قبيحة، ويجوز أن يكون عائدا إلى النكاح الذي كان عليه أهل الجاهلية: أي أنه كان فاحشة قبل هذا، ولا يكون كذلك إلا وقد قامت عليكم الحجة بتحريمه من قبل الرسل. والأول أقوى، وهذا اختيار الجبائي، قال: وتكون السلامة مما قد سلف في الإقلاع منه بالتوبة والإبانة. قال البلخي:
وليس كل نكاح حرمه الله يكون زنا، لأن الزنا فعل مخصوص، لا يجري على طريقة لازمة، ولا سنة جارية، ولذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية أولاد زنا، ولا لأولاد أهل الذمة والمعاهدين أولاد زنا، إذ كان ذلك عقدا بينهم يتعارفونه.
وقوله (وساء سبيلا): أي بئس الطريق ذلك النكاح الفاسد. وفي هذه الآية دلالة على أن كل من عقد عليها الأب من النساء تحرم على الابن، دخل بها الأب، أو لم يدخل. وهذا اجماع، فإن دخل بها الأب على وجه السفاح فهل تحرم على الابن؟ ففيه خلاف، وعموم الآية يقتضي أنه يحرم عليه، لان النكاح قد يعبر به عن الوطء، وهو الأصل فيه، كما يعبر به عن العقد، فينبغي أن تحمل اللفظ في الآية على الامرين، وامرأة الأب وإن علا، تحرم على الابن، وإن سفل، بلا خلاف.
(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم