عقد قريش. فحكم الله فيهم ما حكم في قريش، ففيهم نزل هذا، ذكره عمر بن شيبة، ثم استثنى لهم حالة أخرى، فقال: (أو جاؤوكم حصرت صدورهم): أي ضاقت قلوبهم من (أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم) يعني من قتالكم، وقتال قومهم، فلا عليكم ولا عليهم، وإنما عني به (1) أشجع، فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة، يقودهم مسعود بن دخبلة، فأخرج إليهم النبي أحمال التمر ضيافة، وقال: " نعم الشئ الهدية أمام الحاجة " وقال لهم: " ما جاء بكم "؟ قالوا: " لقرب دارنا منك، وكرهنا حربك، وحرب قومنا " يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد، لقلتنا فيهم، فجئنا لنوادعك. فقبل النبي ذلك منهم، ووادعهم، فرجعوا إلى بلادهم.
ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره، فأمر الله تعالى المسلمين، أن لا يتعرضوا لهؤلاء (ولو شاء الله لسلطهم عليكم) بتقوية قلوبهم، فيجترئون على قتالكم. وقيل: هذا إخبار عما في المقدور، وليس فيه أنه يفعل ذلك بأن يأمرهم به، أو يأذن لهم فيه، ومعناه أنه يقدر على ذلك لو شاء، لكنه لا يشاء ذلك، بل يلقي في قلوبهم الرعب، حتى يفزعوا، أو يطلبوا الموادعة، ويدخل بعضهم في حلف من بينكم وبينهم ميثاق (فلقاتلوكم): أي لو فعل ذلك لقاتلوكم (فإن اعتزلوكم) يعني: هؤلاء الذين أمر بالكف عن قتالهم، بدخولهم في عهدكم، أو بمصيرهم إليكم، حصرت صدورهم أن يقاتلوكم (فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) يعني: صالحوكم، واستسلموا لكم، كما يقول القائل: ألقيت إليك قيادي، وألقيت إليك زمامي، إذا استسلم له، وانقاد لأمره. والسلم: الصلح.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) يعني إذا سالموكم، فلا سبيل لكم إلى نفوسهم وأموالهم. قال الحسن وعكرمة: نسخت هذه الآية والتي بعدها، والآيتان في سورة الممتحنة: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) إلى قوله (الظالمون) الآيات الأربع بقوله (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الآية.
(ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم