(فأثابهم الله بما قالوا جنت تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين [85] والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحب الجحيم [86] اللغة: أثابهم: أي جازاهم، وأصل الثواب: الرجوع. والإحسان: إيصال النفع الحسن إلى الغير، وضده الإساءة: وهو إيصال الضرر القبيح إليه. وليس كل من كان من جهته إحسان، فهو محسن مطلقا، فالمحسن: فاعل الإحسان بشرط أن يكون خاليا من وجود القبح. والجحيم: النار الشدية الإيقاد، وهو هنا اسم من أسماء جهنم، وجحم فلان النار: إذا شدد إيقادها، ويقال لعين الأسد: جحمة، لشدة إيقادها. قال: " والحرب لا يبقى لجاحمها التخيل والمراح ".
المعنى: (فأثابهم) أي: جازاهم (الله بما قالوا) أي: بالتوحيد، عن الكلبي. وعلى هذا فإنما علق الثواب بمجرد القول، لأنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوه، وهو المعرفة في قوله: (مما عرفوا من الحق) والبكاء المؤذن بحقيقة الإخلاص، واستكانة القلب ومعرفته، والقول إذا اقترن به المعرفة والإخلاص، فهو الإيمان الحقيقي الموعود عليه الثواب. وقيل: إن المراد بما قالوا:
ما سألوا، يعني قوله (فاكتبنا مع الشاهدين) (ونطمع أن يدخلنا) الآية، عن عطاء، عن ابن عباس. وعلى هذا فيكون القول معناه المسألة للجنة (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) مر تفسيره (وذلك جزاء المحسنين) أي: المؤمنين، عن الكلبي، والموحدين، عن ابن عباس (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) لما ذكر سبحانه الوعد لمؤمنيهم، ذكر الوعيد لمن كفر منهم، وكذب، وأطلق اللفظ به، ليكون لهم ولمن جرى مجراهم في الكفر، وإنما شرط في الوعيد على الكفر التكذيب بالآيات، وإن كان كل منهما يستحق به العقاب، لأن صفة الكفار من أهل الكتاب، أنهم يكذبون بالآيات، فلم يصح ههنا، أو كذبوا، لأنهم جمعوا الأمرين، وليس من شرط المكذب أن يكون عالما، بأن ما كذب به صحيح، بل إذا اعتقد أن الخبر كذب سمي مكذبا، وإن لم يعلم أنه كذب، وإنما يستحق به الذم لأنه جعل له طريق إلى أن يعلم صحة ما كذب به.