المعنى: ثم بين صفة من تقدم ذكرهم فقال (من الذين هادوا): أي ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، من اليهود، فيكون قوله (يحرفون) الكلم في موضع الحال. وإن جعلته كلاما مستأنفا، فمعناه: من اليهود فريق، (يحرفون الكلم عن مواضعه): أي يبدلون كلمات الله وأحكامه عن مواضعها. وقال مجاهد:
يعني بالكلم التوراة، وذلك أنهم كتموا ما في التوراة من صفة النبي. (ويقولون سمعنا وعصينا) معناه: يقولون مكانه بألسنتهم: سمعنا، وفي قلوبهم: عصينا.
وقيل: معناه سمعنا قولك، وعصينا أمرك (واسمع غير مسمع): أي ويقول هؤلاء اليهود للنبي: إسمع منا غير مسمع، كما يقول القائل لغيره إذا سبه بالقبيح: اسمع لا أسمعك الله، عن ابن عباس، وابن زيد. وقيل: بل تأويله: إسمع غير مجاب لك، ولا مقبول منك، عن الحسن، ومجاهد. وهذا كله إخبار من الله عن اليهود الذين كانوا حوالي المدينة في عصر النبي، لأنهم كانوا يسبونه ويؤذونه بالسئ من القول (وراعنا) قد ذكرنا معناه في سورة البقرة، وقيل: إنه كان سبا للنبي تواضعوا عليه. ويقال: كانوا يقولونه استهزاء وسخرية: ويقال: إنهم كانوا يقولونه على وجه التجبر، كما يقول القائل لغيره، انصت لكلامنا، وتفهم عنا، وإنما يكون هو من المراعاة التي هي المراقبة (ليا بألسنتهم): أي تحريكا منهم لألسنتهم، بتحريف منهم لمعناه إلى المكروه. (وطعنا في الدين): أي وقيعة فيه. (ولو أنهم قالوا سمعنا) قولك، (وأطعنا) أمرك، وقبلنا ما جئتنا به، (واسمع) منا، (وانظرنا): أي انتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا، (لكان خيرا لهم) يعني: أنفع لهم عاجلا وآجلا، (وأقوم): أي أعدل وأصوب في الكلام، من الطعن والكفر، في الدين. (ولكن لعنهم الله بكفرهم): أي طردهم عن ثوابه ورحمته، لسبب كفرهم.
ثم أخبر الله عنهم فقال (فلا يؤمنون) في المستقبل (إلا قليلا) منهم، فخرج مخبره على وفق خبره، فلم يؤمن منهم إلا عبد الله بن سلام، وأصحابه، وهم نفر قليل. ويقال: معناه لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا: أي ضعيفا. لا إخلاص فيه، ولكنهم عصموا دماءهم وأموالهم به. ويجوز أن يكون المعنى: فلا يؤمنون إلا بقليل مما يجب الايمان به.
(يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل