هو يتقلب في الكفر، ويتصرف فيه. وقوله: وهم قد خرجوا به أكد الكلام بالضمير تعيينا إياهم بالكفر، وتمييزا لهم من غيرهم بهذه الصفة (والله أعلم بما كانوا يكتمون) معناه: بما كانوا يكتمون من نفاقهم، إذا أظهروا بألسنتهم ما أضمروا خلافه في قلوبهم.
ثم بين الله سبحانه أنهم يضمون إلى نفاقهم خصالا أخر ذميمة فقال (وترى) يا محمد (كثيرا منهم) قيل: المراد بالكثير: رؤساؤهم وعلماؤهم (يسارعون) يبادرون (في الاثم والعدوان) قيل: الاثم الكفر، عن السدي. والعدوان: مجاوزة حدود الله وتعديها. وقيل: الاثم كل معصية وهو الأولى. والعدوان: الظلم، أي:
يسارعون في ظلم الناس، وفي الجرم الذي يعود عليهم بالوبال والخسران (وأكلهم السحت) أي: الرشوة في الحكم، عن الحسن، وسماها سحتا لأنه يؤدي إلى الاستئصال. ويقال: لأنها تذهب بالبركة من المال. قال أهل المعاني: أكثر ما تستعمل المسارعة في الخير كقوله تعالى (يسارعون) (1) وفائدة لفظة المسارعة وإن كان لفظ العجلة أدل على الذم أنهم يعملونه كأنهم محقون فيه، ولذلك قال ابن عباس في تفسيره: " وإنهم يجترئون على الخطأ " (لبئس ما كانوا يعملون) أي:
لبئس العمل عملهم (لولا ينهاهم) أي: هلا ينهاهم، والكناية في هم تعود إلى الكثير (الربانيون) أي: العلماء بالدين الذين من قبل الرب على وجه تغير الاسم، كما قالوا روحاني بالنسبة إلى الروح، وبحراني بالنسبة إلى البحر. وقال الحسن:
الربانيون علماء أهل الإنجيل (والأحبار) علماء أهل التوراة، وقال غيره: كلهم من اليهود لأنه يتصل بذكرهم (عن قولهم الاثم) أي: عن تحريفهم الكتاب. وقيل:
عن كل ما قالوه بخلاف الحق (وأكلهم السحت) أي: الحرام والرشوة (لبئس ما كانوا يصنعون) أي: لبئس الصنع صنعهم، حيث اجتمعوا على معصية الله، وأنذر سبحانه علماءهم بترك التكبر عليهم، فيما ضيعوا منزلتهم، فذم هؤلاء بمثل اللفظة التي ذم بها أولئك وفي هذه الآية دلالة على أن تارك النهي عن المنكر، بمنزلة مرتكبه، وفيه وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان