ولا باليوم الآخر) الذي فيه الثواب والعقاب، جمع الله سبحانه في الذم والوعيد، بين من ينفق ماله بالرياء والسمعة، ومن لم ينفق أصلا. (ومن يكن الشيطان له قرينا): أي صاحبا وخليلا في الدنيا، يتبع أمره، ويوافقه على الكفر. وقيل: يعني في القيامة، وفي النار (فساء قرينا): أي بئس القرين الشيطان، لأنه يدعوه إلى المعصية المؤدية إلى النار. وقيل: بئس القرين الشيطان حيث يتلاعنان ويتباغضان في النار. (وماذا عليهم): أي أي شئ عليهم، (لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله): قطع الله سبحانه بهذا عذر الكفار في العدول عن الايمان، وأبطل به قول من قال: إنهم لا يقدرون على الايمان، لأنه لا يحسن أن يقال للعاجز عن الشئ: ماذا عليك لو فعلت كذا، فلا يقال للقصير: ماذا عليك لو كنت طويلا؟
وللأعمى: ماذا عليك لو كنت بصيرا؟ وقيل: معناه ماذا عليهم لو جمعوا إلى إنفاقهم الايمان بالله، لينفعهم الانفاق (وكان الله بهم عليما) يجازيهم بما يسرون إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فلا ينفعهم ما ينفقون على جهة الرياء. وفي الآية دلالة أيضا على أن الحرام لا يكون رزقا من حيث إنه سبحانه حثهم على الانفاق مما رزقهم، وأجمعت الأمة على أن الانفاق من الحرام محظور.
(إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [40] القراءة: قرأ ابن كثير ونافع: (وإن تك حسنة) بالرفع، والباقون بالنصب، وقرأ ابن كثير وابن عامر: (يضعفها) بالتشديد، والباقون: (يضاعفها) بالألف.
الحجة: من نصب (حسنة) فمعناه: وإن تك زنة الذرة حسنة، أو إن تك فعلته حسنة. ومن رفعها فمعناه: وإن يقع حسنة، أو إن يحدث حسنة، فيكون كان تامة لا تحتاج إلى خبر. ويضاعف ويضعف: بمعنى واحد، قال سيبويه؟ يجئ فاعلت ولا يراد به عمل اثنين، وكذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله، قال:
ونحو ذلك، ضاعفت، وضعفت، وناعمت. ونعمت، وهذا يدل على أنهما لغتان.
اللغة: الظلم: هو الألم الذي لا نفع فيه يوفي عليه، ولا دفع مضرة أعظم منه، عاجلا ولا آجلا، ولا يكون مستحقا ولا واقعا على وجه المدافعة، وأصله:
وضع الشئ في غير موضعه. وقيل: أصله الانتقاص، من قوله (ولم تظلم منه