لاحد أن يقول إن لفظ (الذين آمنوا) لفظ جمع، فلا يجوز أن يتوجه إليه على الانفراد، وذلك أن أهل اللغة قد يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم، وذلك أشهر في كلامهم، من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه، وليس لهم أن يقولوا إن المراد بقوله (وهم راكعون) أن هذه شيمتهم وعادتهم، ولا يكون حالا لإيتاء الزكاة، وذلك لان قوله (يقيمون الصلاة) قد دخل فيه الركوع، فلو لم يحمل قوله (وهم راكعون) على أنه حال من يؤتون الزكاة، وحملناه على من صفتهم الركوع، كان ذلك كالتكرار غير المفيد، والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد، ووجه آخر في الدلالة على أن الولاية في الآية مختصة، أنه سبحانه قال (إنما وليكم الله) فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره، ثم قال: (ورسوله) فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتهم، لكونهم مضافين إلى ولايته، ثم قال: (والذين آمنوا) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه، وذلك محال.
واستيفاء الكلام في هذا الباب يطول به الكتاب، فمن أراده فليطلبه من مظانه.
قال الواحدي واستدل أهل العلم بهذه الآية على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة، وأن دفع الزكاة إلى السائل في الصلاة، جائز مع نية الزكاة (ومن يتول الله) بالقيام بطاعته (ورسوله) باتباع أمره (والذين آمنوا) بالموالاة والنصرة (فإن حزب الله) أي: جند الله، عن الحسن. وقيل: أنصار الله (هم الغالبون) الظاهرون على أعدائهم، الظافرون بهم.
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين [57] القراءة: قرأ أهل البصرة والكسائي (والكفار) بالجر. وقرأ الباقون بالنصب.
الحجة: حجة من قرأ بالجر أنه حمل الكلام على أقرب العاملين، وهو عامل الجر. وحجة من نصب: أنه عطف على العامل الناصب، فكأنه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء. قال الزجاج: يجوز في هزوا أربعة أوجه (1): إن شئت قلت (هزؤا)