لم يحرم من هذه الأشياء شيئا. وقال المفسرون، وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف، كان قد ملك مكة، وكان أول من غير دين إسماعيل، واتخذ الأصنام، ونصب الأوثان، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه) ويروى: (يجر قصبه في النار).
(ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) هذا إخبار منه تعالى أن الكفار يكذبون على الله بادعائهم أن هذه الأشياء من فعل الله، أو أمره (وأكثرهم لا يعقلون) خص الأكثر بأنهم لا يعقلون، لأنهم أتباع، فهم لا يعقلون أن ذلك كذب وافتراء، كما يعقله الرؤساء، عن قتادة، والشعبي. وقيل: إن معناه أن أكثرهم لا يعقلون ما حرم عليهم، وما حلل لهم، يعني أن المعاند هو الأقل منهم، عن أبي علي الجبائي.
وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول المجبرة، لأنه سبحانه نفى أن يكون جعل البحيرة، وغيرها، وعندهم أنه سبحانه هو الجاعل والخالق له، ثم بين أن هؤلاء قد كفروا بهذا القول، وافتروا على الله الكذب، بأن نسبوا إليه ما ليس بفعل له، وهذا واضح.
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [104] المعنى: ثم أخبر سبحانه عن الكفار الذين جعلوا البحيرة وغيرها، ويفترون على الله الكذب، من كفار قريش، وغيرهم فقال (وإذا قيل لهم تعالوا) أي: هلموا (إلى ما أنزل الله) من القرآن واتباع ما فيه، والإقرار بصحته (وإلى الرسول) وتصديقه، والاقتداء به وبأفعاله (قالوا) في الجواب عن ذلك (حسبنا) أي: كفانا (ما وجدنا عليه آباءنا) يعني مذاهب آبائنا، ثم أخبر سبحانه منكرا عليهم (أو لو كان آباؤهم) أي: إنهم يتبعون آباءهم فيما كانوا عليه من الشرك، وعبادة الأوثان، وإن كان آباؤهم (لا يعلمون شيئا) من الدين (ولا يهتدون) إليه. وقيل: في معنى لا يهتدون قولان أحدهما: إنه يذمهم بأنهم ضلال والآخر: بأنهم عمي عن الطريق، فلا يهتدون طريق العلم.