الرسول في حياته، لأنهم الحافظون لشريعته، وخلفاؤه في أمته، فجروا مجراه فيه.
ثم أكد سبحانه ذلك وعظمه بقوله: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فما أبين هذا وأوضحه! (ذلك) إشارة إلى طاعة الله، وطاعة رسوله، وأولي الأمر، والرد إلى الله والرسول (خير وأحسن تأويلا): أي أحمد عاقبة عن قتادة، والسدي، وابن زيد، قالوا: لان التأويل من آل يؤول، إذا رجع. والمال: المرجع، والعاقبة، سمي تأويلا لأنه مآل الامر. وقيل: معناه أحسن جزاء، عن مجاهد، وقيل: خير لكم في الدنيا وأحسن عاقبة في الآخرة. وقيل: معناه أحسن من تأويلكم أنتم إياه، من غير رد إلى أصل من كتاب الله وسنة نبيه، عن الزجاج، وهو الأقوى، لان الرد إلى الله ورسوله، ومن يقوم مقامه، من المعصومين، أحسن لا محالة، من تأويل بغير حجة، واستدل بعضهم بقوله: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) على أن إجماع الأمة حجة، بأن قالوا: إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب والسنة، بشرط وجود التنازع، فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع لا يجب الرد، ولا يكون كذلك إلا والاجماع حجة. وهذا الاستدلال إنما يصح لو فرض أن في الأمة معصوما، حافظا للشرع، فأما إذا لم يفرض ذلك، فلا يصح لان تعليق الحكم بشرط، أو صفة، لا يدل على أن ما عداه بخلافه عند أكثر العلماء، فكيف اعتمدوا عليه ههنا؟ على أن الأمة لا تجمع على شئ، إلا عن كتاب، أو سنة، وكيف يقال: إنها إذا اجتمعت على شئ لا يجب عليها الرد إلى الكتاب والسنة، وقد ردت إليهما؟!
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [60] وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنفقين يصدون عنك صدودا [61] اللغة: الطاغوت: ذو الطغيان على جهة المبالغة في الصفة، فكل من يعبد من دون الله فهو طاغوت. وقد يسمى به الأوثان كما يسمى بأنه رجس من عمل الشيطان، ويوصف به أيضا كل من طغى بأن حكم بخلاف حكم الله. وأصل الضلال: الهلاك بالعدول عن الطريق المؤدي إلى البغية، لأنه ضد الهدى الذي هو