إن النبي يجوز أن يرد عما يعلم أنه لا يفعله، ويجوز أن يكون الخطاب له والمراد جميع الحكام. (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد، ولا يعني به قوم كل نبي، ألا ترى أن ذكر هؤلاء قد تقدم في قوله (إنا أنزلنا التوراة) الآية. ثم قال: (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم) قال (أنزلنا إليك الكتاب)، ثم قال (لكل جعلنا منكم شرعة) فغلب المخاطب على الغائب شرعة: أي شريعة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، عن قتادة، وجماعة من المفسرين. وفي هذا دلالة على جواز النسخ. على أن نبينا كان متعبدا بشريعته فقط، وكذلك أمته. وقيل: الخطاب لامة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، عن مجاهد، والأول أقوى، لأنه سبحانه بين أن لكل نبي شريعة ومنهاجا أي: سبيلا واضحا غير شريعة صاحبه وطريقته، ويقوي ذلك قوله (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) ومعناه ولو شاء الله لجمعكم على ملة واحدة في دعوة جميع الأنبياء لا تبدل شريعة منها، ولا تنسخ، عن ابن عباس. وقيل: أراد به مشيئة القدرة أي: لو شاء الله لجمعكم على الحق، كما قال: (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها "، عن الحسن، وقتادة.
(ولكن ليبلوكم) أي: ولكن جعلكم على شرائع مختلفة، ليمتحنكم (فيما آتاكم) أي: فيما فرضه عليكم، وشرعه لكم. وقيل: فيما أعطاكم من السنن، والكتاب. وقال الحسين بن علي المغربي: " المعنى لو شاء الله لم يبعث إليكم نبيا فتكونون متعبدين بما في العقل، وتكونون أمة واحدة، ولكن ليختبركم فيما كلفكم من العبادات، وهو عالم بما يؤول إليه أمركم " (فاستبقوا الخيرات) أي: بادروا فوت الحظ بالتقدم في الخير. وقيل: معناه بادروا الفوت بالموت، أو العجز، وبادروا إلى ما أمرتكم به، فإني لا آمركم إلا بالصلاح، عن الجبائي. وقيل: معناه سابقوا الأمم الماضية إلى الطاعات والأعمال الصالحة، عن الكلبي. وفي هذا دلالة على وجوب المبادرة إلى أفعال الخيرات، ويكون محمولا على الواجبات. ومن قال: إن الامر على الندب، حمله على جميع الطاعات، (إلى الله مرجعكم) أي: مصيركم (جميعا فينبئكم): فيخبركم. (بما كنتم فيه تختلفون) من أمر دينكم، ثم يجازيكم على حسب استحقاقكم.
(وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك