دام فيهم، فلما توفاه الله كان هو الشهيد عليهم، وهذا ضعيف لان التوفي لا يستفاد من إطلاقه الموت ألا ترى إلى قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) فبين أنه تعالى يتوفى الأنفس التي لم تمت.
(إن تعذبهم فإنهم عبادك) لا يقدرون على دفع شئ من أنفسهم (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) في هذا تسليم الأمر لمالكه، وتفويض إلى مدبره، وتبرؤ من أن يكون إليه شئ من أمور قومه، كما يقول الواحد منا إذا تبرأ من تدبير أمر من الأمور، ويريد تفويضه إلى غيره: هذا الأمر لا مدخل لي فيه، فإن شئت فافعله، وإن شئت فاتركه، مع علمه وقطعه على أن أحد الأمرين لا يكون منه.
وقيل: إن المعنى إن تعذبهم فبإقامتهم على كفرهم، وإن تغفر لهم فبتوبة كانت منهم عن الحسن، فكأنه اشترط التوبة، وإن لم يكن الشرط ظاهرا في الكلام، وإنما لم يقل فإنك أنت الغفور الرحيم، لان الكلام لم يخرج مخرج السؤال، ولو قال ذلك لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة، على أن قوله (العزيز الحكيم) أبلغ في المعنى، وذلك أن المغفرة قد تكون حكمة، وقد لا تكون، والوصف بالعزيز الحكيم، يشتمل على معنى الغفران والرحمة، إذا كانا صوابين، ويزيد عليهما باستيفاء معان كثيرة، لان العزيز هو المنيع القادر، الذي لا يضام، والقاهر الذي لا يرام. وهذا المعنى لا يفهم من الغفور الرحيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها، ولا يفعل إلا الحسن الجميل. فالمغفرة والرحمة إن اقتضتهما الحكمة، دخلتا فيه، وزاد معنى هذا اللفظ عليهما، من حيث اقتضى وصفه بالحكمة في سائر أفعاله.
(قال الله هذا يوم ينفع الصدقين صدقهم لهم جنت تجري من تحتها الأنهر خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم [119] لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير [120] القراءة: قرأ نافع وحده: (يوم ينفع) بالنصب. والباقون بالرفع.
الحجة: قال أبو علي: من رفع يوما جعله خبر المبتدأ الذي هو هذا، وأضاف يوما إلى ينفع. والجملة التي هي من المبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول، كما تقول: قال زيد: عمرو أخوك. ومن قرأ (هذا يوم ينفع) احتمل أمرين