الثانية، فضمت الثانية لالتقاء الساكنين. ويجوز في العربية لا يضركم بفتح الراء ولا يضركم بكسرها. فالضم لاتباع الضم، والفتح للخفة، والكسر لان أصل التقاء الساكنين الكسرة. وهذا النهي بلفظ غائب يراد به المخاطبون إذا قلت: لا يضررك كفر فلان: فمعناه لا تعدن أنت كفره ضررا، كما أنك إذا قلت: لا أرينك ههنا، فالنهي في اللفظ لنفسك، فمعناه لمخاطبك، ومعناه: لا تكونن هنا.
المعنى: لما بين الله سبحانه حكم الكفار الذين قلدوا آباءهم وأسلافهم، وركنوا إلى أديانهم، عقبه بالأمر بالطاعة، وبيان أن المطيع لا يؤاخذ بذنوب العاصي، فقال: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) معناه: إحفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي، والإصرار على الذنوب، عن الفراء، وغيره. وقيل: معناه إلزموا أمر أنفسكم، فإنما ألزمكم الله أمرها، عن الزجاج. وهذا موافق لما روي عن ابن عباس أن معناه: أطيعوا أمري واحفظوا وصيتي (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) أي: لا يضركم ضلال من ضل من آبائكم وغيرهم، إذا كنتم مهتدين.
ويقال: هل تدل هذه الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
وجوابه: إن في هذا وجوها أحدها: إن الآية لا تدل على ذلك، بل توجب أن المطيع لربه لا يؤاخذ بذنوب العاصي. وثانيها: إن الاقتصار على الاهتداء باتباع أمر الله، إنما يجوز في حال التقية، أو حال لا يجوز تأثير إنكاره فيها، أو يتعلق بإنكاره مفسدة.
وروي أن أبا ثعلبة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية فقال: ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت دنيا مؤثرة، وشحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، وذر الناس وعوامهم وثالثها: إن هذه أؤكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لان الله تعالى خاطب بها المؤمنين فقال (عليكم أنفسكم) يعني عليكم أهل دينكم، كما قال (ولا تقتلوا أنفسكم لا يضركم من ضل من الكفار) وهذا قول ابن عباس، في رواية عطا عنه، قال: يريد يعظ بعضكم بعضا. وينهى بعضكم بعضا. ويعلم بعضكم بعضا، ما يقربه إلى الله، ويبعده من الشيطان، ولا يضركم من ضل من المشركين، والمنافقين، وأهل الكتاب (إلى الله مرجعكم جميعا) أي: مصيركم، ومصير من خالفكم (فينبئكم بما كنتم تعملون) أي: يجازيكم بأعمالكم، وفي هذه غاية الزجر