فيما يوهن كيد الأعداء (وأنفسهم) حملا لها على الكفاح (1) في اللقاء (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة) معناه فضيلة ومنزلة، (وكلا وعد الله الحسنى) معناه وكلا الفريقين من المجاهدين والقاعدين عن الجهاد، وعده الله الجنة، عن قتادة وغيره من المفسرين.
وفي هذه دلالة على أن الجهاد فرض على الكفاية لأنه لو كان فرضا على الأعيان، لما استحق القاعدون بغير عذر أجرا. وقيل: لان المراد بالكل هنا المجاهد والقاعد من أولي الضرر، المعذور عن مقاتل (وفضل الله المجاهدين على القاعدين) من غير أولي الضرر (أجرا عظيما درجات منه) أي منازل بعضها أعلى من بعض، من منازل الكرامة. وقيل: هي درجات الاعمال كما يقال الاسلام درجة، والفقه درجة، والهجرة درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة، عن قتادة.
وقيل: معنى الدرجات هي الدرجات التسع التي درجها في سورة براءة في قوله (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم (2) ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) فهذه الدرجات التسع عن عبد الله بن زيد (ومغفرة ورحمة) هذا بيان خلوص النعيم، بأنه لا يشوبه غم بما كان منه من الذنوب، بل غفر له ذلك، ثم رحمه بإعطائه النعم والكرامات (وكان الله غفورا) لم يزل الله غفارا للذنوب، صفوحا لعبيده من العقوبة عليها (رحيما) بهم، متفضلا عليهم. وقد يسأل فيقال: كيف قال في أول الآية (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة)، ثم قال في آخرها (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) درجات وهذا متناقض الظاهر؟ وأجيب عنه بجوابين: أحدهما: أن في أول الآية (فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر) درجة، وفي آخرها (فضلهم على القاعدين غير أولي الضرر) درجات، فلا تناقض لأن قوله (وكلا وعد الله الحسنى) يدل على أن القاعدين لم يكونوا عاصين وإن كانوا تاركين للفضل. والثاني: ما قاله أبو علي الجبائي: وهو أنه أراد بالدرجة الأولى علو المنزلة، وارتفاع القدر، على وجه المدح لهم، كما يقال فلان أعلى درجة عند الخليفة من فلان، يريدون بذلك أنه