ووجدنا في الدعاء المروي بالرواية الصحيحة، عن الصادقين عليهما السلام: " يا من إذا وعد وفى، وإذا توعد عفا " وهذا يؤيد ما تقدم، وقد أحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى، حيث قال: الوعد حق، والوعيد حق. فالوعد: حق العباد على الله، ضمن لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا، ومن أولى بالوفاء من الله. والوعيد: حقه على العباد، قال: لا تفعلوا كذا فأعذبكم، ففعلوا. فإن شاء عفا، وإن شاء عاقب، لأنه حقه، وأولاهما بربنا العفو والكرم، إنه غفور رحيم.
وروى إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت قيس بن أنس، يقول: كنت عند عمرو بن عبيد في بيته، فأنشأ يقول: يؤتى بي يوم القيامة، فأقام بين يدي الله، فيقول: قلت إن القاتل في النار؟ فأقول: أنت قلت: (ومن يقتل مؤمنا) الآية.
فقلت له، وما في البيت أصغر سنا مني: أرأيت أن لو قال لك: فإني قلت (فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) من أين علمت أني لا أشاء أن أغفر لهذا؟ قال: فما استطاع أن يرد علي شيئا.
(يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا [94] القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير عاصم: (فتثبتوا) هنا في الموضعين بالثاء والتاء، وفي الحجرات. وقرأ الباقون: (فتبينوا) بالتاء والنون في الجميع. وقرأ أهل المدينة، والشام، وحمزة، وخلف: (السلم) بغير ألف. وقرئ في بعض الروايات عن عاصم: (السلم) بكسر السين وسكون اللام. وقرأ الباقون (السلام) بالألف. وروي عن أبي جعفر القارئ، من بعض الطرق: (لست مؤمنا) بفتح الميم الثانية، وحكى أبو القاسم البلخي أنه قراءة محمد بن علي الباقر عليه السلام.
الحجة: قال أبو علي: من قرأ (فتثبتوا) فحجته أن التثبت خلاف الاقدام، والمراد به التأني، وهو أشد اختصاصا بهذا الموضع، ويبين ذلك قوله (وأشد تثبيتا) أي أشد وقفا لهم عما وعظوا، بأن لا يقدموا عليه. ومن قرأ (فتبينوا) فحجته أن