وأما ثانيا فلأن بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وقبل فتح مكة قد فتح الله تعالى عليه وعلى أصحابه من غنائم الكفار وبلدانهم ما أزال فقرهم فكان لبس أبي بكر للعباء المبتذل المذكور للزرق والتلبيس لا للفقر فلا وجه لسؤال الحكيم الخبير وجه فقره إلى لبس تلك العباءة عنه.
وأما ثالثا فلأن ما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله " أنفق ماله علي قبل الفتح " مردود بما ذكرنا سابقا من اتفاق أهل الأثر على أن أبا بكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار، في المال والدار، فمن أين حصل له المال الذي أنفقه علي سيد الأبرار؟ ومما نقلناه عن البكحري المصري من أن أبا بكر لم يكن في زمان سافر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب رضي الله عنه إلى الشام بحال من يملك، ولا ملك بلالا إلا بعد ثلاثين سنة فافهم.
وأما رابعا فلأنه لا يعقل ما تضمنه الحديث من سؤال الله تعالى عن رضى عبده عنه ولو فرضنا أن العبد قال لربه: إني لست براض عنك هل كان جوابه غير أن يقول له: فاخرج عن أرضي وسمائي بالسرعة والبدار؟ وهل كان علاجه غير أن يدق رأسه على الجدار؟ أو يعض كابن حجر بالأحجار.
119 - قال: وأخرج ابن عساكر أنه قيل لأبي بكر في مجمع من الصحابة:
هل شربت الخمر في الجاهلية؟ - فقال أعوذ بالله فقيل له لم؟ - قال وكنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدق أبو بكر، صدق أبو بكر، وهو مرسل غريب سندا ومتنا انتهى.
أقول: ومع قطع النظر عن الغرابة والارسال يكذبه ما رواه هذا الشيخ الكذوب الذي لا حافظة له عن ابن عساكر أيضا متصلا في الذكر لهذه الرواية من قول عائشة ولقد ترك أبو بكر وعثمان شرب الخمر في الجاهلية فظهر أن الحديث موضوع للعصبية الجاهلية