ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقى في الله تعالى أحد ا ولا يحكم في شئ من الدين بغير الوحي من ربه تعالى، ولا يجوز له السكوت (1) على الباطل فلا ينكره لأنه كأن يكون غير مبين وقد أمره الله تعالى بالبيان والتبليغ (2) والامر بالواجبات وتفصيل الحرام فسكوته خارج عن هذين الوجهين وليس غيره كذلك، وطول المدد لا يعيد الباطل حقا أبدا ولا الحق باطلا، ويلزم المخالف لهذا أن من قيل له: يا كافر فسكت أنه قد لزمه حكم الكفر، ومن قيل له: انك طلقت امرأتك فسكت أن يلزمه الطلاق، وان من قتل ولده - وهو يرى - فسكت انه قد بطل طلبه ولزمه الرضى وهم لا يقولون بشئ من هذا * وقال أبو حنيفة. وأصحابه: من باع مال آخر بغير أمره فلصاحب المال إجازة ذلك أو رده، واحتجوا بالخبر الثابت عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي استأجر أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته فأبى فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فقال: أتستهزئ بي قلت: ما استهزئ بك ولكنها لك فذكر الخبر وان الله فرج عنهم الصخرة المطبقة على فم الغار، فان هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه بل هو حجة عليهم ومبطل لقولهم، فأولها أن ذلك كان فيمن قبلنا ولا تلزمنا شرائعهم * والثاني انه ليس فيه ان الإجارة كانت بفرق ذرة بعينه بل ظاهره انه كان بفرق ذرة في الذمة فإذ ذلك كذلك فلم يبع له شيئا بل باع ماله ثم تطوع بما أعطاه وهذا حسن وهو قولنا * والثالث أنه حتى لو كان فيه أنه كان فرقا بعينه وانه كان في الاسلام لما كان لهم فيه حجة لأنه أعطاه أكثر من حقه فرضى وأبرأه من عين حقه، وكلاهما متبرع بذلك من غير شرط، وهذا جائز عندنا حسن جدا، وأما كونه حجة عليهم فان فيه أنه عرض عليه حقه فأبى من أخذه وتركه ومضى فعلى أصلهم قد بطل حقه إذ سكت عن أخذه فلا طلب له فيه بعد ذلك * واحتجوا بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا سفيان ابن عيينة عن شعيب بن غرقدة عن عروة البارقي: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاة قال: فاشتريت له شاتين فباع أحدا هما بدينار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة فدعا له بالبركة) * ورويناه أيضا من طريق أبى داود نا الحسن بن الصباح نا أبو المنذر نا سعيد بن زيد نا الزبير بن الحرث عن أبي لبيد عن عروة الباقرقى فذكره * ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن رجل من أهل المدينة عن حكيم ابن حزام: (ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشترى له أضحية بدينار فاشتراها ثم باعها بدينارين
(٤٣٦)