بلا شك فنحن ان قلنا: إن مراد الله تعالى باطلاقه للفقير أن يأكل بالمعروف إنما هو من مال نفسه كنا على يقين وصحة من أن الله تعالى قد أراد هذا واباحته بلا شك، وكان من نسب إلى الله تعالى ما لا يشك في صحته محسنا مصيبا صادقا فوجب الوقوف عند هذا الذي لا تبعة على قائله فيه ووجدنا من أخبر ان مراد الله تعالى بقوله: (فليأكل بالمعروف) انه من مال اليتيم مخالف ليقين تحريمه تعالى أموال اليتامى ناسبا إلى الله تعالى برأيه ما لا علم له به، وهذا حرام لا يحل، فبطل هذا القول جملة والحمد لله رب العالمين * نا أبو سعيد الفتى نا أبو بكر محمد بن علي بن الأدفوى نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن النحاس عن محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى نا قبيصة عن سفيان الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى: (ومن كان غنيا فليستعفف) قال ابن عباس: معناه لا يأكل من مال اليتيم قال: (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال ابن عباس: يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم وبه إلى ابن النحاس نا جعفر بن مجاشع نا إبراهيم بن إسحاق نا إبراهيم بن عبد الله نا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس نسخت الظلم والاعتداء ونسختها: (ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * قال على: كلتا الروايتين عن ابن عباس متفقة مؤديتان إلى منع الوصي الغنى والفقير من أكل شئ من مال اليتيم وبه نقول، والرواية عن عمر بن الخطاب وعن ابنه رضي الله عنهم ا في الاستقراض موافقة لقولنا في أنه احراز لمال اليتيم، فحصل قولنا وهو قول الصحابة رضي الله عنهم * (فان قيل): كيف تقولون هذا؟ وأنتم تقولون: الفقير هو الذي لا يملك شيئا أصلا، قلنا وبالله تعالى التوفيق هو كما قلنا ليس في قولنا هنا مناقضة لما قدمنا لأننا قد علمنا أن كل حي في الأرض فلولا انه له رزق رزقه الله تعالى إياه مياومة ما عاش قال الله تعالى:
(خلقكم ثم رزقكم) فإذ لابد من رزق يعاش به فما ذلك الرزق قلنا: إنه يأكل بالمعروف وهواما من عمل أو صدقة أو احتشاش وما أشبه ذلك * وروينا من طريق البخاري انه عليه السلام قال للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة التي عرضت نفسها عليه.
(التمس شيئا ولو خاتما من حديد فلم يجد فقال: أمعك من القرآن شئ قال: نعم) الحديث، فهذا رجل يعلم النبي صلى الله عليه وسلم انه لا شئ معه غير ازاره لا ما يلبس ولا ما يفضل عنه ولا خاتم حديد فما فوقه وبيقين يدرى انه قد أكل ما أقام قوته ولولا ذلك ما قدر على النكاح ولا على المشي إذ مشى يلتمس شيئا فلم يجدو هو في غاية الفقر، فمثل هذا أن يأكل