قال على: فلم يبق الا الآيتين اللتين تعلق بهما من تعلق فوجب النظر فيهما مضمومتين إلى هذه الآيات الأخر ولابد لا مفردتين عنها لما نص الله تعالى عليه من أن كلامه لا اختلاف فيه فصح أنه كله شئ واحد * قال على: فإذ لابد من ضم تينك الآيتين إلى سائر هذه الآيات وهذا الحديث فلابد في ذلك من أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يكون في تينك الآيتين استثناء بإباحة في بعض ما حرم في هذه الآيات الأخر فيستثنى ما فيها ويوقف عنده وأما أن لا يكون فيهما استثناء شئ مما في هذه الآيات الأخر فيكون حكم الجميع واحدا ومن تعدى هذين الوجهين فهو مخالف للقرآن متحكم في دين الله تعالى برأيه، وهذا عظيم جدا ونسأل الله التوفيق * قال على: فنظرنا في الآية التي فيها قول الله تعالى: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) فوجدناه تعالى أمر الغنى بالاستعفاف جملة فبطل بهذا قول من أباح للغنى أكل ما قل أو كثر من مال اليتيم ووجدناه قد أمر الفقير أن يأكل بالمعروف ولم يقل تعالى: ما الشئ الذي يأكل فلم يحل لاحد أن يتحكم في ذلك برأيه فيكون قائلا على الله تعالى ما لا علم له به، وهذا مقرون بالشرك قال تعالى: (قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وان المقدم على هذا بعد ساعة هذه الآية لجرئ هالك نعوذ بالله من الخذلان * قال على: فلم يكن في معنى هذه الآية وما أمر الله تعالى فيها الا قولان لا ثالث لهما أحدهما قول من قال: فليأكل بالمعروف أي من مال اليتيم، والثاني قول من قال: فليأكل بالمعروف أي من مال نفسه لا من مال اليتيم وانها وصية للفقير ان لا نحرمه في النفقة من نفقته التي رزقه الله تعالى إياه عن يده وفقره * قال على: يوجب النظر في الصحيح من هذين القولين ليؤخذ به وفى الباطل منهما فيطرح ويرفض فنظرنا في قول من قال: إن مراد الله تعالى بذلك إباحة الاكل له من مال اليتيم فوجدناه دعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل وحرام أن ينسب إلى الله عز وجل فسقط هذا القول لتعريه من البرهان وقد قال تعالى: (قال هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ثم إذ قد سقط هذا القول فقد صح القول الثاني إذ ليس في الآية الا هذان القولان فلو لم يكن لنا دليل الا هذا الكفى لأنه برهان ضروري صحيح فكيف والبرهان على صحته واضح قاطع مقطوع على صحته بيقين لا شك فيه وهو انه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى شئ من الأحكام يقال فيه هذا مراد الله عز وجل الا بنص أو اجماع متيقن ونحن على يقين وثقة من أن أموال اليتامى محرمة على الوصي بيقين ونحن على يقين من إباحة مال الوصي لنفسه
(٣٢٧)