ويتوجه إلى عرفات، فإذا زالت الشمس بها وقف هناك بعد الظهر والعصر إلى غروب الشمس وهذا الموقف فريضة في الحج، قال تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس. كانت قريش في الجاهلية لا تخرج إلى عرفات ويقولون لا نخرج من الحرم وكانوا يقفون يوم عرفة بالمشعر الحرام وليلة العيد أيضا بها، وكان الناس الذين يحجون غيرهم يقفون بعرفات يوم عرفة كما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق يفعلون، فأمر الله أن يقف المسلمون كلهم يوم عرفة بعرفات ويفيضوا منها عند الغروب إلى المشعر بقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، والإفاضة منها لا يمكن إلا بعد الوقوف أو الكون بها.
فصل:
وقوله: فإذا أفضتم من عرفات. بين تعالى فرض الموقفين عرفات والمشعر أي إذا دفعتم من عرفات بعد الاجتماع بها فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
أوجب الله على الحاج كلهم أن يذكروا الله بالمشعر لأن الأمر شرعا على الوجوب ولا يجوز أن يوجب الذكر فيه إلا وقد أوجب الكون فيه ففي هذا دلالة على أن الوقوف بالمشعر الحرام ليلة العيد فريضة كما ذهبنا إليه، وتقدير الكلام: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه أي اذكروه تعالى بالثناء والشكر حسب نعمائه عليكم بالهداية فإن الشكر يجب أن يكون على حسب النعمة في عظم المنزلة كما يجب أن يكون على مقدارها لو صغرت النعمة، ولا يجوز التسوية بين من عظمت نعمته ومن صغرت نعمته، يعني اذكروه ذكرا فيه بمثل هدايته إياكم وإن كنتم قبل محمد وقبل الهدي لمن الضالين عن النبوة والشريعة هداكم إليه.
فإن قيل: " ثم " للترتيب متراخيا فما معنى الترتيب بين قوله: واذكروا الله عند المشعر الحرام وبين قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، ولا خلاف أن الوقوف بعرفات مقدم على الوقوف بالمشعر.