فلان إذا كان يبغضه ويمقته ويثقل عليه النظر إليه وإن كانت معه قدرة على ذلك، وكذلك ما يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء يريدون إنني أنفر منه ويثقل على النظر إليه وإن كانت معه قدرة على ذلك. وقال الله تعالى: إنك لن تستطيع معي صبرا. وإنما أراد هذا المعنى لا محالة فإذا تقرر ما ذكرناه، وكان الصحيح الجسم يشق عليه المشي الطويل إلى الحج لم يكن مستطيعا له في العرف الذي ذكرناه، وكذلك من وجد الراحلة ولم يجد نفقة لطريقه ولا لعياله يشق عليه السفر ويضعف وتنفر نفسه لا يسمى مستطيعا فوجب أن تكون الاستطاعة ما ذكرناه لارتفاع المشاق والتكلف معه، ومما يدل على بطلان مذهب مالك أيضا، ما روي من أن النبي ص سئل عن قوله: ولله على الناس الآية فقيل له: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد والراحلة من استطاع إليه سبيلا، فقيل له: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد والراحلة.
المسألة السابعة والثلاثون والمائة:
الأمر بالحج على التراخي. الذي يذهب إليه أصحابنا أن الأمر بالحج على الفور ووافقنا على ذلك أبو يوسف ورواه عن أبي حنيفة ووافق المزني عليه، وقال الشافعي:
الحج على التراخي، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره أن الأمر المطلق وإن لم يكن من مذهبنا أنه يوجب فورا ولا تراخيا في أصل وضع اللغة، وذهبنا إلى أنه على الوقوف فقد قطع الشرع العذر بوجوب حمل الأمر المطلق على الفور كما قطع العذر بحمله على الوجوب وإن كان في وضع اللغة ولا يقتضي ظاهره وجوبا ولا ندبا، وقد دللنا على هذه الجملة في مواضع من كلامنا في أصول الفقه وبينا أن الصحابة والتابعين ثم تابعي التابعين إلى وقتنا هذا يحملون أوامر الشرع في الأحكام الشرعية من كتاب وسنة على الوجوب والفور، وإن أحدا منهم لا يتوقف في ذلك طلبا لدليل فصار هذا العرف الشرعي موجبا لحمل الأوامر الشرعية على الفور، وقد أمر الله بالحج أمرا مطلقا فيجب أن يكون محمولا على الفور، وأيضا ما روي عن النبي من قوله: من وجد من الزاد والراحلة ما يبلغه الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا.